[الكتاب التدويني والتكويني]
ثم اعلم أن الكتاب كتابان : تدويني وتكويني.
فالكتاب التدويني هو هذا القرآن الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (١) وهو الحاوي لجميع الحقائق الكلية والجزئية ، والمهمين على جميع الكتب الإلهية ، و (تبيان كل شيء) (٢) ، وتفصيل كل حقيقة (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣).
والكتاب التكويني هو تمام عالم الوجود من الدرة (٤) إلى الذرة فجميع العالم
__________________
إما مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب ، أو صفة والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية كالذبيحة ، وقد يجعل للمبالغة كعلامة ، ثم إن اعتبرت أجزاء الكتاب سورا فالأولية هنا حقيقية ، وإن اعتبرت آيات أو كلمات مثلا فمجازية تسمية للكل باسم الجزء.
وإضافة السورة إلى الفاتحة من إضافة العام إلى الخاص كبلدة بغداد ، وإضافة الفاتحة إلى الكتاب من إضافة الجزء إلى الكل كرأس زيد فهما لاميتان ، وربما جعلت الثانية بمعنى «من» التبعيضية تارة والبيانية أخرى ، والأول وإن كان خلاف المشهور بين النحاة إلا أنه لا يحوج إلى حمل الكتاب على غير المعنى الشائع المتبادر والثاني بالعكس. ثم تسمية هذه السورة بهذا الاسم إما لكونها أول السور نزولا كما عليه جم غفير من المفسرين ، وإما لما نقل من كونها مفتتح الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ ، أو مفتتح القرآن المنزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا ، أو لتصدير المصاحف بها على ما استقر عليه ترتيب السور القرآنية وإن كان بخلاف الترتيب النزولي ، أو لافتتاح ما يقرء في الصلاة من القرآن ، فهذه وجوه خمسة لتسميتها بفاتحة الكتاب ـ العروة الوثقى المطبوع مع الحبل المتين ص ٣٨٩.
(١) سورة فصلت : ٤٢.
(٢) اقتباس من آية ٨٩ في سورة النحل : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ).
(٣) سورة الأنعام : ٥٩.
(٤) الدرة (بضم الدال المهملة وتشديد الراء) : العقل في مصطلح العرفاء وتوصف بالبيضاء تارة ويقال : (الدرة البيضاء) والمراد بها العقل الأول ، قال المتصرّف نعمة الله الماهاني الكرماني المتوفى (٨٢٥) ه بالفارسية :