إشارة إلى ما يسمونه بربّ النوع
اعلم أنّه قد ذهب جم غفير من الحكماء الإلهيين والعرفاء الربانيين كأفلاطون ومن يحذو حذوه من المتألهين وصاحب حكمة الإشراق و «المطارحات» وغيرهما ، وصدر المتألهين في كتبه ، وغيرهم من أهل الإشراق إلى أن لكل نوع من الأفلاك والكواكب وبسايط العناصر ومركباتها ربا في عالم القدس ، وهو عقل مدبّر لذلك النوع ، وله عناية به وتربية له ، لكونه واسطة له في إيصال الفيوض إليه حتى يوصله إلى كماله النوعي أو الشخصي ، ولذلك يسمونه رب النوع ، ورب الصنم ، ورب الطلسم.
وربما يحكى ذلك عن هرمس (١) ، وأغثاذيمون (٢) وجميع حكماء الفرس فإنهم كانوا أشد مبالغة في أرباب الطلسمات وقد سمّوه أردي بهشت.
وربما يحكى عن معلم الفلاسفة أرسطاطاليس ولعله في كتاب «أثولوجيا» المنسوب إليه المترجم بمعرفة الربوبية.
فإنه أشار إليه في مواضع من هذا الكتاب كقوله : إن في الإنسان الجسماني الإنسان النفساني ، والإنسان العقلي ، ولست أعني أنه هما لكني أعني به أن متصل بهما ، وأنه منه لهما ، وذلك أن يفعل بعض أفاعيل الإنسان العقلي وبعض أفاعيل الإنسان النفساني ، وذلك أن في الإنسان الجسماني كلتا الكلمتين أعني النفسانية والعقلية ، إلا أنهما فيه قليلة ضعيفة نزرة ، لأنه صنم للصنم فقد بان أن الإنسان الأول حساس إلا أنه بنوع أعلى وأفضل من الحس الكائن في الإنسان
__________________
(١) هو إدريس النبي عليهالسلام ، ولد في مصر واسمه بالعبراني خنوخ. ـ تاريخ الحكماء للقفطي : ص ٧.
(٢) أغثاديمون المصري ، كان أحد الأنبياء اليونانيين قبل هرمس.