الفصل الرابع
في البحث عن قوله تعالى «العالمين»
وهو جمع عالم بالفتح من العلم بالفتحتين بمعنى العلامة ، ولذا سميت به الراية اسم لما يعلم به كالطابع والقالب والخاتم بفتح العين فيها لما يطبع أو يقلب أو يختم.
ولذا قال الراغب : «فاعل كثيرا ما يجيء اسما للآلة التي يفعل بها الشيء كما سمعت لكنه غلب هنا في الأجناس التي يعلم بها الصانع تعالى ، لا في الأفراد ولا فيما يعلم به غيره ، ولذا لا يقال : عالم زيد وعمرو ، وإنما يقال : عالم الأفلاك وعالم الأرواح ، وعالم الملكوت والجبروت والناسوت ، بل ولا يطلق باعتبار ما يعلم به غيره تعالى ومن العلم بالكسر ، ولعلّه لا يأبى عنه إطلاق كثير عنهم ، لو لم يكن ظاهرا أو صريحا فيه ، بل الأصل فيهما واحد.
نعم ، ربما يقال : إنّه جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط.
وعن أبي البقاء أنّه اسم موضوع للجمع ولا واحد له في اللفظ.
وعن الزجاج (١) أنه لا واحد لعالم من لفظه لأنه لما جمع أشياء مختلفة فإن جعل له مفرد صار جمعا لأشياء متفقة.
وفيه : أنه لا وجه للقول بكونه جمعا بعد جريان حكم المفرد عليه ، وأما
__________________
(١) الزجاج : أبو إسحاق إبراهيم بن السري النحوي ، توفي سنة (٣١٩) ه.