إزهاق وإحقاق
من المذاهب السخيفة المحكية عن بعض أوساخ الفلاسفة أنّ العالم واحد ، وهو المحاط بمحدّب محدّد الجهات ، واستدلّوا له بوجوه :
الأوّل : أنه لو وجد عالم آخر كان شكله الطبيعي الكرة ، فيلزم وقوع الخلاء بين الكرتين.
وتوهم أنّه لا خلاء ولا ملأ مدفوع بكونه محصورا بين الحاصرين ، فالبعد الّذي هو المكان حاصل.
الثاني : لو وجد عالمان في كل منهما نار وأرض لزم أن يكون للأجسام المتّفقة الطبيعة أحياز مختلفة ، وهو باطل ، لأنّ طبعها يقتضي جواز الاتّصال ، فإذا اتّصلت في أحد المكانين كان ذلك المكان طبيعيّا لها ، فلا يكون الآخر طبيعيّا وإلّا لكان لجسم واحد مكانان طبيعيّان ، وهذا خلف.
الثالث : أنّه قد ثبت عندهم أنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملأ ، فلو كان هناك عالم آخر لكان ملأ ، وهذا خلف.
ولا يخفى عليك ضعف هذه الوجوه ، أمّا الأوّل فلأنّه يجوز أن لا يكون كرويا ، ومجرد كون الطبيعي ذلك لا يقضي بالمنع ، إذ مع تسليمه ربما يمنع عنه المانع فيشكّل على غيره قسرا.
مع أنّه مبنيّ على امتناع الخلاء ، والكلام فيه مشهور ، مضافا إلى أنّه يجوز أن يكون بين الكرتين أجسام أخر بحيث يكون ذلك البعد مكانا طبيعيّا لها مع فرض كرة محيطة على جميع الكرات المتماسّة بنقطة أوّلا ، وأن يكون هذا العالم بجملته مركوزا في ثخن فلك آخر كالتدوير في ثخن الحامل فلا يلزم الخلاء.
وأما الثاني فلجواز أن يكون في ذلك العالم أجسام أخر مخالفة لأجزاء هذا