المكلّف فيه ناظرا إليه فهو غائب من الأوّل ، والأوّل غائب عنه ، وإن لم يكن الحجاب عنه إلّا التطورات الوجوديّة الثّابتة النّاشية في هذا العالم ، وإنّ فيه تعليما له لتحقيق مسلك التّوحيد والخروج عن ربقة التّقليد والتّحقّق بحقيقة العبادة والفوز بشهود المعبود الّذي هو تمام السّعادة وذلك انّ الله سبحانه لم يخلق الجنّ والإنس إلّا للعبادة الّتي لا بدّ فيها من معرفة المعبود كى يستقيم التّوجّه إليه بعين الشّهود والسّبيل العاري عن شوب التقليد إلى معرفة المعبود للعامة إنّما هو ملاحظة الآيات الافاقيّة والأنفسيّة ولذا قال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) (١) ، الآية (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ) (٢).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من عرف نفسه (٣) ، وأعرفكم بنفسه (٤) إلى غير ذلك.
فالعابد الدّاعى لمّا أراد التّوجّه إليه بالعبادة والدّعاء الّذى هو مخّها وحقيقتها ، نظر بقلبه إلى العالم بجميع أجزائه وجزئيّاته فرأى فيه اثار الألوهيّة ومراتب الرّبوبيّة ، والرّحمة الكلّية التّامّة العامة الواسعة ، والخاصّة المكتوبة المقتضى كلّ ذلك نظرا إلى العدل وإتمام الدّورة لانشاء النشأة الآخرة ، فلمّا انتقل من البرهان إلى العيان تحوّل من الغياب إلى الخطاب ، فالتّمجيد الّذى من أوّل السّورة إلى هنا كأنّه ليس حمدا للثّابت بل إثباتا للمحمود.
وهذه الوجوه وان اشتمل بعضها على ضعف أو تكرار ، إلّا أنّه لا بأس بالالتفات إليها للتّأدّب بآداب العبوديّة بين يدي الله سبحانه وان كانت بمراحل عمّا هو المقصود بالذّات من الالتفات.
__________________
(١) فصّلت : ٥٣.
(٢) الذاريات : ٢٠ ـ ٢١.
(٣) عوالي اللئالى ج ٤ / ١٠٢ ح ١٤٩.
(٤) معارج اليقين للسبزوارى ص ٣٥ ح ١٢.