وهذا أولى ممّا قيل في وجه التكرير : أنّ في الأوّل ذكر الإلهيّة فوصل بذكر النعم الّتي بها يستحقّ العبادة ، وهنا ذكر الحمد ، فوصله بذكر ما يستحقّ به الحمد والشكر على النّعم فتأمّل.
نعم ربّما يقال في وجه إجراء هذه الأوصاف بعد ذكر اسم الذّات الجامع لصفات الكمال انّ الّذي يحمده النّاس ويعظّمونه إنّما يكون حمده وتعظيمه لأحد أمور أربعة إمّا لكونه كاملا في ذاته وصفاته ، وإن لم يكن منه إحسان إليهم ، وإمّا لكونه محسنا إليهم ومنعما عليهم ، وإمّا لأنهم يرجون لطفه وإحسانه في الاستقبال ، وإمّا يخافون قهره وكمال قدرته وسطوته وهذه هي الجهات الموجبة للحمد والتّعظيم فكأنّه تعالى يقول أيّها النّاس ان كنتم تحمدون وتعظّمون للكمال الذّاتى والصّفاتى فاحمدونى فانّى أنا الله ، وان كان للإحسان والتربية والانعام ، فأنا ربّ العالمين ، وإن كان للرّجاء والطّمع في المستقبل ، فأنا الرّحمن الرّحيم ، وإن كان للخوف عن كمال القدرة والسّطوة فأنا مالك يوم الدّين.
وقد يقال إنّ وصفه سبحانه بقسمي الرّحمة للدّلالة على أنّه سبحانه متفضّل بالإيجاد والتربية مختار فيهما ليس يصدر عنه شيء لا يجاب بالذّات كما هو رأى الفلاسفة أو وجوب عليه قضية لسوابق الأعمال حتّى يستحقّ به الحمد كما هو رأى المعتزلة القائلين بوجوب إيصال الثواب إلى العباد في مقابل سوابق أعمال الخير الّتي صدرت عنهم ، فانّ كلّا من المذهبين يقتضي عدم استحقاقه الحمد على تلك الأمور لكونها لازمة لذاته أو واجبة عليه فليس مختارا متفضّلا بها بخلاف الأشاعرة فانّهم لا يوجبون صدور تلك الآثار عنه ، فصدورها عنه ليس إلّا على سبيل التفضّل والرحمة على العباد.
أقول ومراده انّ تعقيب الحمد الّذى هو الثّناء على الجميل الاختياري بالتربية وقسمي الرّحمة دليل على صدورها عنه تعالى لا على وجه اللّزوم والوجوب كما