افتقاره إلى المبقى إذ لعلّ للشيء بقاء بعد وجوده نعم الحقّ أنّ مسألة الحاجة إلى المبقى أوضح من أن يستدلّ عليه بمثل هذه الظّواهر ، بل الإمكان الذّاتي الّذى لا ينفكّ منه أصلا دليل الافتقار ، وبعد ثبوت الحاجة به أو بوجه آخر تدلّ الآية على أنّه سبحانه هو المنعم بالإبقاء لا غيره.
وممّا مرّ يظهر النّظر أيضا فيما ذكره الشّيخ البهائي عطّر الله مرقده مضافا إلى ما قيل من أنّ توجيهه لا يوافق مذهب البيضاوي ، إذ مختاره كون الرّبّ مصدرا لا وصفا فتأمّل.
وأمّا ما ذكره الصّدر الأجلّ ففيه أوّلا انّ ما ذكره من المناقشة كأنه مبنىّ على ما صرّح به أخيرا من كون الموجودات كافة تدريجيّة الحصول ، وعلى هذا فلا معنى للتّربية إلّا الافاضة السّيالة التّجديدية الّتي هي الإبقاء لطروّ الفناء بعدمها فتربية الجماد مثلا بدوام إفاضة الوجود عليه حيث إنّ وجوده وكينونته من حيث المادّة والصّورة سيّال متصرّم غير قارة ـ الذّات ، وعلى هذا فما ذكره من المناقشة كانّه تحقيق لمعنى التّربية وإثبات لها.
وثانيا : انّ ما ذكره من دلالة الآية على كون العالم تدريجيّ الحصول غريب جدّا إذ مدلول الآية كونه سبحانه مربيّا للعالم ، موصلا له إلى كماله ، وامّا إنّ هذا الإيصال هل هو مجرّد الإبقاء أو بإعطاء الكمالات المفقودة أو بتجدّد الأمثال بالإيجاد بعد الفناء أو بسيلان الفيض الموجب للصّوغ بعد الكسر حسبما تسمع في موضعه إن شاء الله ، فلا دلالة فيها على شيء منها بوجه من الوجوه ومن أين يستفاد منها كون العالم بجميع أجزائه الجوهريّة سيّالة الحصول غير قارّة الوجود كالحركة المتّصلة ، بل الإنصاف أنّ فيها دلالة على ثبوتها وتقرّرها وبقائها كى يصحّ نسبة التّربية الظّاهرة في تكميل الشّيء بعد ثبوته وتقرّره إليه سبحانه.