من الكلفة والمشقّة ما لا يخفى ، ومن عادة المحبّ أن لا يحسّ بالمشاقّ في حضور المحبوب بل يتحمل منها في الحضور مع غاية الابتهاج والسّرور مالا يتحمّل جزء منها حال الغفلة والغيبة ، ولذا قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره ونظره إلى العابد تداركا وانجبارا لما فيها من الكلفة والمشقة كما قال مولينا الصّادق عليهالسلام على ما رواه في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (١) : لذّة ما في النّداء أزال ما في العبادة من التّعب والعناء (٢).
فحينئذ يأتى بها العابد مع غاية البهجة والسّرور لما أشرق على قلبه من أنوار قدس الشّهود والحضور.
وأنّ مقام الحمد والثّناء مقام البعد عن ساحة الكبرياء فانّه كما قيل : إظهار صفات الكمال على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السّالك فهو يواجههم بإظهار مزايا المحبوب ، وأمّا إذا زال الحجاب من البين ووصل من الأثر إلى العين ، وانكشف له غطاء الخفاء عن وجه قوله : أنا جليس من ذكرني (٣) ، (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٤) فينخرق الأستار ، ويضمحلّ الأقدار وينكشف الأسرار ، فلا جرم ينعطف عنان لسانه إلى جنابه ويصير كلامه منحصرا في خطابه.
ومثل ما قلت مضافا إلى بعض ما سبق من أن في سوق الكلام على الغيبة في مقام الحمد والثّناء ، وعلى الخطاب في مقام إظهار العبوديّة وطلب الاستعانة إشعارا بأنّ العبد وإن بالغ في الثّناء على ربّه حتّى لو مجّده بكلامه المنزل عن عزّ جلاله ، فهو بعد ذلك قاصر عن ذلك ، بعيد عمّا هنالك ، أين التّراب وثناء ربّ
__________________
(١) البقرة : ١٨٣.
(٢) مجمع البيان ج ١ / ٢٧١.
(٣) خاتمة مفتاح الفلاح ص ٧٧٦.
(٤) البقرة : ١١٥.