الصَّالِحاتِ) في الرحمة والرضوان والهمزة في (أَمْ حَسِبَ) لإنكار الحسبان (سَواءً) بالنصب بدلا من المفعول الثاني ل (نَجْعَلَهُمْ) وهو الكاف بمعنى مستويا ، وارتفاع (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) على الفاعلية له وكان مفردا غير جملة ، والمعنى : أن المحسنين والمسيئين ليسا مساويين محيا ومماتا ، لأن المحسنين عاشوا على القيام بالطاعات والمسيئين على ركوب المعاصي ومات هؤلاء على البشرى بالرحمة من الله والوصول (١) إلى ثوابه وأولئك ماتوا على اليأس من رحمة الله والوصول إلى أشد العذاب ، وقرئ «سواء» (٢) بالرفع فيكون كلاما مستأنفا على معنى أن المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن يموت على إيمانه ويبعث على إيمانه (٣) ، والكافر في الدنيا والآخرة يموت على كفره ويبعث على كفره (٤) ، فكل يموت على حسب ما عاش عليه (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [٢١] أي يقضون لأنفسهم حين يعتقدون أن لهم في الآخرة ما للمؤمنين فيها ، نزلت الآية حين قال كفار مكة إنا نعطي في الآخرة من الخير أفضل ما يعطي المؤمنون فيها (٥) ، فأنكر الله عليهم ذلك.
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢))
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي بالعدل فلا يقتضي التساوى بين الفريقين ، وقيل : معنى (بِالْحَقِّ) ليدل على صدق قدرته ولذلك عطف عليه قوله (٦)(وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [٢٢] أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم ولا يزادون على عذاب سيئاتهم.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣))
قوله (أَفَرَأَيْتَ) نزل توبيخا لمن عبد الأصنام بهوى نفسه وترك عبادة ربه وعصى أمره (٧) ، أي أنظرت فرأيت (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) لأنه يعمل ذلك بهواه ولا يخاف الله (وَأَضَلَّهُ اللهُ) عن طريق الهداية (عَلى عِلْمٍ) من الله بأنه من أهل النار ، ومحله حال (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ) فلم يستدل على طريق الهداية (وَقَلْبِهِ) أي وختم على قلبه فلا يرغب في الحق (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) وقرئ «غشوة» (٨) ، أي غطاء لئلا ينظر ويعتبر في آيات الله (فَمَنْ يَهْدِيهِ) استفهام على سبيل الإنكار ، أي من يرشده إلى طريق الهداية (مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي بعد إضلال الله إياه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [٢٣] أي لا تتعظون أن من لا يقبل إلى الله بالتوبة لا يكرمه بالهدى.
(وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤))
(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي ما الحيوة إلا حيوتنا في الدنيا لا حيوة بعد الموت في الآخرة (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي يموت بعضنا ويحيى بعضنا كأولادنا أو نحيى ونموت (٩) لأن الواو للجمع لا للترتيب (وَما يُهْلِكُنا) أي لا يميتنا (إِلَّا الدَّهْرُ) أي مضي الأيام والليالي وانقضاء الآجال (وَما لَهُمْ بِذلِكَ) أي بما يقولون (مِنْ عِلْمٍ) أي برهان قطعي بل يتكلمون عن جهل (إِنْ هُمْ) أي ما القائلون بذلك (إِلَّا يَظُنُّونَ) [٢٤] به ظنا بلا تحقيق ، لأنهم ينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله وينسبون الحوادث إلى الدهر ولا يعلمون أن خالق الدهر هو الآتي بالحوادث لا الدهر والزمان.
__________________
(١) من الله والوصول ، ح و : والرضوان ، ي.
(٢) «سواء» : قرأ حفص والأخوان وخلف بنصب الهمزة ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٢٩٤.
(٣) ويبعث على إيمانه ، وي : ـ ح.
(٤) ويبعث على كفره ، وي : ـ ح.
(٥) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٢٥.
(٦) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٢٤٧.
(٧) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٢٤٧.
(٨) لعله اختصره من البغوي ، ٥ / ١٢٦ ؛ والكشاف ، ٥ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.
(٩) «غشاوة» : قرأ الأخوان وخلف بفتح الغين وإسكان الشين ، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٩٤.