عندي و (١) أنتم تستعجلون به (وَ) أنا (أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) أي ليس علي إلا تبليغ الرسالة لكم بالإنذار والتبشير لا إجابة اقتراحكم ولا سؤالي من الله سوى ما أذن لي فيه (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) [٢٣] باستعجالكم العذاب وترك الإيمان بما قيل لكم.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤))
(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي العذاب (عارِضاً) نصبه حال ، أي سحابا يعرض في أفق السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) وكانت السحابة إذا جاءت من قبل ذلك الوادي مطروا (قالُوا هذا عارِضٌ) أي سحاب (مُمْطِرُنا) أي يمطر حروثنا بعد أن كان المطر حبس عنهم ، فقيل لهم (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي العذاب وهو (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) [٢٤] ورفع (رِيحٌ) بدل من (مَا).
(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥))
(تُدَمِّرُ) أي جاءتهم الريح فجعلت تدمر ، أي تهلك (كُلَّ شَيْءٍ) من رجالهم ونسائهم وأموالهم بالتطيير بين السماء والأرض (بِأَمْرِ رَبِّها) أي بارادته تعالى ، وإضافة ال «رب» إلى الريح للدلالة على أن الريح مأمورة من جهته وللشهادة لعظم قدرته ، لأنها من أكابر جنوده لا يتحرك إلا باذنه (فَأَصْبَحُوا) أي صاروا من العذاب بحال (لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي بقيت مساكنهم وهلكت أنفسهم وأموالهم ، قرئ «لا يرى» بغيبة المجهول و «لا ترى» بخطاب المعلوم (٢) ، أي لا ترى أيها المخاطب لو كنت حاضرا إلا مساكنهم (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء والعقاب (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [٢٥] أي المشركين المكذبين.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦))
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) أي قوم هود وهم عاد ، يعني أعطيناهم من الملك والتمكن (فِيما) أي الذي (إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) أي ما لم نعطكم ولم نمكن لكم فيه من قوة الأجساد وكثرة العدد والعدد وطول الأعمار يا أهل مكة ، ف (إِنْ) نافية (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً) ليسمعوا المواعظ (وَأَبْصاراً) لينظروا في الدلائل الموصلة إلى التوحيد (وَأَفْئِدَةً) ليتفكروا في صنع الله تعالى (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) أي لم ينفعهم (سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) من العذاب ، لأنهم لم يسمعوا الهدى ولم ينظروا في الدلائل ولم يتفكروا في صنعه (إِذْ كانُوا) ظرف يفيد التعليل ، أي لأنهم كانوا (يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) أي بدلائله ، والعامل في «إِذْ» «أَغْنى» قبل ، قيل : الظرف كيف يفيد معنى التعليل؟ أجيب بأن ذلك لاستواء معنى التعليل والظرف في الفهم في قولك ضربته إذ أساء وضربته لإساءته ، لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فقد ضربته لكون إساءته فيه إلا أن إذ وحيث غلبتا في ذلك من بين الظروف باستعمال العرب (٣)(وَحاقَ) أي نزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [٢٦] من العذاب.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧))
قوله (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا) إشارة إلى زيادة تهديد لكفار مكة ، أي أهلكنا قبلكم يا كفار مكة بالعذاب (ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) أي من أهلها كثمود وعاد وقوم لوط (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) أي بينا لهم العلامات بالإنذار بالعذاب (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [٢٧] عن كفرهم قبل أن يهلكوا.
__________________
(١) لا ، + ي.
(٢) «لا يرى» : قرأ عاصم وحمزة ويعقوب وخلف بياء تحتية مضمومة ، والباقون بتاء مثناة فوقية مفتوحة. البدور الزاهرة ، ٢٩٦.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٢٥٧.