(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨))
(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ) أي هلا منعهم من العذاب (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) أي اتخذوهم (مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) أي أصناما للعبادة ، و «قُرْباناً حال» ، أي حال كونهم يتقربون بها إلى الله لأجل الشفاعة حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وأحد مفعول ي «تخذوا» محذوف والثاني (آلِهَةً) ، ولا يصح أن يكون (قُرْباناً) مفعولا ثانيا و (آلِهَةً) بدلا منه لفساد المعنى ، إذ المنكر اتخاذهم آلهة لا اتخاذهم قربانا (بَلْ ضَلُّوا) أي غابوا عند نزول العذاب بهم (عَنْهُمْ) أي عن نصرتهم (وَذلِكَ) أي اتخاذهم إياها آلهة (إِفْكُهُمْ) أي أثر إفكهم وكذبهم وثمرة شركهم ، قوله (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٢٨] عطف على (إِفْكُهُمْ) ، أي وافتراؤهم على الله الكذب من كونه ذا شركاء ، فقوله (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم وضلالهم عنهم ، لأنه لو كان صدقا لنصروهم.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠))
(وَإِذْ صَرَفْنا) أي اذكر إذا قابلنا (إِلَيْكَ) يا محمد (نَفَراً مِنَ الْجِنِّ) وهو دون العشرة والجمع أنفار ، قيل : كانوا سبعة (١) أو تسعة من جن نصيبين (٢) في اليمن (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) من النبي عليهالسلام ليلا قائما بنخلة يصلي صلاة الفجر وذلك عند مصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم فلم يجيبوه إلى مطلوبه (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) أي القرآن ، يعني قربوا منه بحيث يسمعون (قالُوا) أي قال بعضهم لبعض (أَنْصِتُوا) أي أصغوا لاستماع القرآن (فَلَمَّا قُضِيَ) أي فرغ من قراءته والصلوة (وَلَّوْا) أي رجعوا (إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [٢٩] أي مخوفين قومهم العذاب (٣) إن لم يؤمنوا بأمر النبي عليهالسلام لا من تلقاء أنفسهم وكان الذي قرأ عليهم سورة الرحمن ، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه لم يحضر مع النبي عليهالسلام ليلة الجن غيره قال : «فخط لي خطا ثم أمرني بالجلوس فيه ، وقال لا تخرج منه حتى أعود إليك ، فانك إن خرجت لن تراني إلى يوم القيامة» (٤) ، فلما رأوا قومهم (قالُوا) أي قال الجن التي سمعت القرآن وكانوا من اليهود فلذلك قالوا (يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً) هو القرآن (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي موافقا لما قبله من الكتاب وهو التورية ، وقالوا من بعد موسى ، لأنهم لم يعلموا بعيسى (يَهْدِي) أي يدعو ويرشد (إِلَى الْحَقِّ) أي إلى الإسلام (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [٣٠] وهو العمل به الموصل إلى الله.
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١))
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) أي النبي عليهالسلام إلى الإيمان (وَآمِنُوا بِهِ) أي صدقوه (يَغْفِرْ) أي ليغفر (لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي بعض ذنوبكم إن آمنتم به وبعضها لا يغفر إلا برضا أربابها كالمظالم (وَيُجِرْكُمْ) أي يؤمنكم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [٣١] وهو عذاب النار ، واختلف في الجن ، فعند أبي حنيفة رحمهالله لا ثواب لهم إلا النجاة من النار لقوله (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، وعند غيره ثواب ونجاة من النار ، لأنهم في حكم بني آدم في الثواب والعقاب لكونهم مكلفين (٥) بالعمل بالأمر والانتهاء بالنهي ولقوله «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ، فَبِأَيِ آلاء ربكما تكذبان» (٦).
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ١٤٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢٥٨.
(٢) نقله عن البغوي ، ٥ / ١٤٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢٥٨.
(٣) العذاب ، وي : ـ ح.
(٤) أخرج أحمد بن حنبل نحوه ، ١ / ٣٩٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٣٧.
(٥) هذه الأقوال مأخوذة عن الكشاف ، ٥ / ٢٥٨.
(٦) الرحمن (٥٥) ، ٤٦ ـ ٤٧.