الله وأهله فذلك قوله (إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ [١٣٤] إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) [١٣٥] أي امرأته في الباقين للهلاك (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) [١٣٦] أي أهلكنا الباقين.
(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨))
(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ) يا أهل مكة (عَلَيْهِمْ) أي على آثار قوم لوط إذا سافرتم (مُصْبِحِينَ) [١٣٧] أي بالنهار (وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [١٣٨] أي أليس لكم فهم الإنسانية لتدركوا به ما حل بمن قبلكم فتعتبروا فتؤمنوا.
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦))
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [١٣٩] إِذْ أَبَقَ) أي هرب (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [١٤٠] أي المملوء حين لم ينزل العذاب على قومه ، فغضب منه فجاء إلى البحر وركب مركبا ، فلما لحجوا في البحر وقفت السفينة فقال الملاحون هنا عبد آبق (فَساهَمَ) أي قارع أهل السفينة من الآبق (فَكانَ) يونس (مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [١٤١] أي المقروعين (١) المغلوبين ، والمدحض هو المغلوب في الحجة ، وأصله من الدحض وهو زلة القدم من مكانها فألقوه أو ألقى نفسه في البحر (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) أي ابتلعه (وَهُوَ مُلِيمٌ) [١٤٢] أي يلوم نفسه باتيان ما يلام عليه (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [١٤٣] أي الذاكرين في بطن الحوت (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [١٤٤] أي لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم البعث (فَنَبَذْناهُ) أي ألقيناه من بطن الحوت من يومه أو بعد ثلاثة أيام أو أزيد (بِالْعَراءِ) أي بالساحل أو بالفضاء (وَهُوَ سَقِيمٌ) [١٤٥] أي عليل كهيئة الطفل لا قوة له (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ) أي فوقه بعد خروجه (شَجَرَةً) مظلة (مِنْ يَقْطِينٍ) [١٤٦] وهو القرع ليستظل بظلها وكانت وعلة تجيئه ويشرب (٢) من لبنها صباحا ومساء حتى اشتد لحمه ونبت شعره وتقوى ، فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فأصابته الشمس فبكى فأوحى إليه ربه أتحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون أرسلناك إليهم لتنجيهم من العذاب ، فلم يتبعوك وأردت هلاكهم وهم في يد الكافر الذي منعهم عن الاتباع بك.
(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧))
ثم أخبر عنه بقوله (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [١٤٧] أي كما أرسلناه من (٣) قبل الحوت إليهم (٤) إرسالا ثانيا إليهم (٥) بعد الحوت أو إلى غيرهم ، روى : أنهم أسلموا فسألوه أن يرجع إليهم فأبى ، لأن النبي إذا هاجر لم يرجع إليهم مقيما فيهم (٦) ، وهم أهل نينوى بأرض الموصل وهم كانوا مائة ألف أو يزيدون في مرأى العين ، أي إذا رآها الرائى قال هي مائة ألف أو أكثر ، والغرض الوصف بالأكثر ، وقيل : (أَوْ) بمعنى الواو (٧) ، وكانت الزيادة عشرين ألفا (٨) أو ثلاثين (٩).
(فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢))
(فَآمَنُوا) عند نزول العذاب بهم وصرفناه عنهم (فَمَتَّعْناهُمْ) أي أبقيناهم (إِلى حِينٍ) [١٤٨] أي إلى وقت انتهاء آجالهم متمتعين بأموالهم (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي فاستخبر أهل مكة توبيخا لهم (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ
__________________
(١) المقروعين ، وي : مقروعين ، ح.
(٢) يشرب ، ح و : تشرب ، ي.
(٣) من ، ح : ـ وي.
(٤) أرسلناه إليهم ، + و ، أرسلناه ، + ح.
(٥) إليهم ، ح ي : ـ و.
(٦) نقله عن الكشاف ، ٥ / ١٢٦.
(٧) وهذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٥٨٢.
(٨) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٢.
(٩) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٢.