الْبَنُونَ) [١٤٩] أي أتجعلون أوضع الجنسين له وأرفعهما لكم مع قدرته عليه ، ففيه تفضيل لأنفسكم على ربكم ، وهذا مما لا يقبله سليم العقل ، ثم زادهم التوبيخ فقال (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) [١٥٠] أي حاضرون حين خلقهم (١) إناثا فيجترؤون على ما يقولون ، وإنما خصهم بعلم المشاهدة استهزاء بهم وتجهيلا لهم ، أي ليس باخبار صادق ولا باستدلال صحيح فصرح بكذبهم بقوله (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) أي من أجل كذبهم (لَيَقُولُونَ [١٥١] وَلَدَ اللهُ) بزعمهم الملائكة بنات الله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [١٥٢] في قولهم لله ولد الولد يعم الذكر والأنثى ، وفيه تجسيم له تعالى علوا كبيرا ، لأن الولادة مختصة بالأجسام ، وفي جعلهم الملائكة الذين هم أكرم خلق الله (٢) إناثا استهانة شديدة ولو قيل لأدناهم فيك أنوثة لتمزقت نفسه من الغيظ لقائله.
(أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧))
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨))
قوله (أَصْطَفَى الْبَناتِ) استفهام بمعنى الزجر والإنكار ، والأصل أاصطفى ، حذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام ، أي أاختار الله تعالى بالبنات (عَلَى الْبَنِينَ [١٥٣] ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [١٥٤] هذا الحكم الفاسد ارتدعوا عنه فانه جور ، ومن قرأ بكسر الهمزة (٣) جعله بدلا من قول الكفار ولد الله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [١٥٥] أي أفلا تتعظون فتمتنعوا عن ذلك القول (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) [١٥٦] أي حجة واضحة أن لله ولدا أو لكم عذر (٤) بين في كتاب منزل إليكم (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٥٧] في مقالتكم (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ) أي جعل مشركو مكة بين الله تعالى (وَبَيْنَ الْجِنَّةِ) وهم حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس (نَسَباً) أي نسبة جامعة له وللجنة بقولهم إنهم بنات الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أي الملائكة الذين قالوا لهم البنات (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [١٥٨] النار ومعذبون فيها بما يقولون.
(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠))
قوله (سُبْحانَ اللهِ) أي تنزيها له (عن ما (يَصِفُونَ) [١٥٩] بأن له ولدا اعتراض (٥) بين الاستثناء وبين ما وقع منه ، قوله (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [١٦٠] استثناء منقطع من «محضرون» ، أي لكن عباد الله المخلصين من الشرك ناجون من النار ، قيل : هذه الآيات المتوالية في بطلان قولهم أن لله ولدا صدرت عن سخط عظيم واستبعاد شديد له ونطقت بتسفيه أحلام قريش واستركاك عقولهم مع استهزاء وتهكم بهم (٦).
(فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣))
(فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) [١٦١] أي مع (٧) معبودكم يا أهل مكة (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أي على الله (بِفاتِنِينَ) [١٦٢] أي بمضلين أحدا من الناس ، من فتن فلان على فلان امرأته ، أي أفسدها عليه (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) [١٦٣] أي سيصلي النار في سابق علمه تعالى مفردا ، أصله صالى من الصلى وهو الدخول في النار.
(وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤))
ثم أخبر جبرائيل أن لكل واحد منهم مقاما مختصا به بقوله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [١٦٤] أي قال الله تعالى لجبرائيل بعد قولهم الملائكة بنات الله تكذيبا لهم قل يا جبرائيل لمحمد نحن معاشر الملائكة ما منا أحد إلا له
__________________
(١) خلقهم ، وي : خلقتهم ، ح.
(٢) عليه ، + و.
(٣) «اصطفى» قرأ أبو جعفر بوصل الهمزة فيسقطها في الدرج ويكسرها في الابتداء ، وغيره بهمزة قطع مفتوحة وصلا وابتداء. البدور الزاهرة ، ٢٧١.
(٤) عذر ، ح و : ـ ي.
(٥) اعتراض ، وي : اعتراضا ، ح.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٧) مع ، وي : ـ ح.