ملكا قائما يسبح الله تعالى» (١) ، وقيل : يغشاها رفرف من طير خضر (٢) أو نور مثل جراد من ذهب (٣) أو فراش من ذهب (٤).
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨))
(ما زاغَ الْبَصَرُ) أي لم يمل بصر محمد عليهالسلام عما رأى (وَما طَغى) [١٧] أي ما جاوز عنه إلى غيره ، يعني اثبت ما رآه إثباتا مستيقنا صحيحا من غير أن يعدل عنه بصره إلى غيره فلا يكذب في أخباره عما رأى والله (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [١٨] أي من عظماها (٥) حين أصعد إلى السماء فأري عجائب الملكوت من السموات وطوائف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأوى وما في الجنان لأهل الإيمان وما في النيران لأهل الطغيان والحجب والبحار والظلم والأنوار.
(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠))
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ) أي أكفرتم بالله فرأيتم اللات من لوى إذا أقام ، لأنهم كانوا يلوون ، أي يقيمون عليها للعبادة (وَالْعُزَّى) [١٩] تأنيث الأعز في الأصل ، سمي بها صنم (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [٢٠] وقرئ «مناءة» (٦) بالهمزة وسمي بها صنم ، لأن دماء النسائك كانت تمنى ، أي تراق عليها ، أي ثالثة الأصنام مستحقة للعبادة التي لا ينفعكم في الآخرة واللات أول الأصنام صنم ثقيف بالطائف ثم العزى صنم قريش وكان نخلة يعبدونها ، فبعث النبي عليهالسلام خالد بن الوليد فقطعها فخرجت من أصلها امرأة تجر شعرها على الأرض فقتلها (٧) ، ثم مناة صنم الأنصار وهذيل وخزاعة (٨) وهي من حجارة يعبدونها ، وقيل : كان كل الأصنام من الحجارة داخل الكعبة تعبد (٩) ، فوصف مناة بالثالثة لأنها ثالثة الصنمين ووصفها ب (الْأُخْرى) وصف ذم ، أي المناة (١٠) الحقيرة ، لأن (الْأُخْرى) تستعمل في الضعفاء كقوله تعالى (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ)(١١) ، أي ضعفاؤهم لرؤسائهم ، المعنى : ألهذه الآلهة قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله تعالى.
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١))
قوله (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) [٢١] نزل حين قال بنو مليح : الملائكة بنات الله نعبدها لتشفعن لنا (١٢) ، فقال تعالى ألكم الذكر وله الأنثى ، أي كيف تجعلون لكم البنين ولله تعالى البنات وأنتم لها كارهون.
(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢))
(تِلْكَ إِذاً) أي جعلكم البنات له ولكم البنين (قِسْمَةٌ ضِيزى) [٢٢] بالهمز وغيره (١٣) ، أي جائرة أو ناقصة ، والمصدر ضأز أو ضوز وأصلها ضوزى بضم الضاد كطوبى ، لأن فعلى بكسر الفاء في الصفات قليل كسرت الضاد (١٤) فقلبت الواو ياء كما فعل ببيض.
__________________
(١) انظر البغوي ، ٥ / ٢٤٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٤٨. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٢) وهذا منقول عن الكشاف ، ٦ / ٤٨. وروى البخاري في صحيحه (٥٣ / ١): «قال رأى رفرفا أخضر قد سد الأفق».
(٣) عن الحسن ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٩٠.
(٤) عن ابن مسعود ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٤٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٤٨.
(٥) عظماها ، وي : عظمائها ، ح.
(٦) «ومنوة» : قرأ المكي بهمزة مفتوحة بعد الألف فيصير المد عنده متصلا فيمد حسب مذهبه ، والباقون بغير همز ، وكلهم يقفون عليه بالهاء. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.
(٧) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩١.
(٨) وهذيل وخزاعة ، ح : ـ وي.
(٩) أخذه عن البغوي ، ٥ / ٢٤٩.
(١٠) المناة ، ح : مناة ، وي.
(١١) الأعراف (٧) ، ٣٨.
(١٢) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٤٩.
(١٣) «ضيزى» : قرأ المكي بهمزة ساكنة بعد الضاد ، وغيره بياء تحتية ساكنة بعد الضاد. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.
(١٤) كسرت الضاد ، ح و : ـ ح.