على الصفة التي هي كونهن خير نساء الدنيا ، قوله (مُسْلِماتٍ) الآية بيان لأوصاف تلك النساء التي تبدل ، أي مقرات بالإسلام وأحكامه (مُؤْمِناتٍ) أي مخلصات في دينهن (قانِتاتٍ) أي مطيعات لأمر الله وأمر رسوله (تائِباتٍ) أي راجعات عن ذنوبهن إلى الله (عابِداتٍ) أي مجاهدات في عبادة الله (سائِحاتٍ) أي صائمات أيامهن ، يقال ساح للعبادة إذا مضى نهاره بلا زاد (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [٥] أي مفتضات وعذارى ، ووسط الواو بين (ثَيِّباتٍ) و (أَبْكاراً) دون باقي الصفات ، لأنهما صفتان متباينتان لا يجتمعان كاجتماعها فيهن ، فلابد من الواو ليدل على ذلك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا) أي جنبوا وأبعدوا (أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) أي عن نار جهنم بامتثال أمر الله واجتناب نهيه وبأن تحملوا أهلكم على طاعة الله بتعليمهن فرائضها وسننها لعل الله يجمعهم معكم في الجنة (وَقُودُهَا) أي ما يوقد به النار من الحطب ، يعني حطبها (النَّاسُ) إذا صاروا إليها (وَالْحِجارَةُ) أي حجارة الكبريت ، وذلك قبل أن يصير الناس إليها (عَلَيْها) أي على النار (مَلائِكَةٌ) هي ولاة يعذبون بها الناس ، وهم التسعة عشر وأعوانهم (غِلاظٌ شِدادٌ) أي أقوياء يعملون بأيديهم وأرجلهم ما أمروا يضرب أحدهم بمقمعته ضربة واحدة سبعين ألفا من الناس فيسقطون في النار (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) أي يقبلونه ولا ينكرونه (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [٦] به باسراع ولا يمتنعون عن فعله بالرشوة كأعوان ملوك الدنيا ، وهذه الآية تهديد للفساق من أهل الكبائر فانهم مساكنون مع الكفار (١) في دار واحدة وإن اختلفت دركاتهم ، وللذين آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم بدليل قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) أي يقال لهم يومئذ حين (٢) يعتذرون (٣) لا يقبل منكم العذر اليوم (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ) أي بما كنتم (تَعْمَلُونَ) [٧] في الدنيا من المعاصي والشرك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ) عن ذنوبكم (تَوْبَةً نَصُوحاً) بضم النون مصدر (٤) ، أي تنصحون (٥) نصوحا ، وبفتحها (٦) نعت كصبور ، أي توبة ناصحة لغيركم ، وهي إدمان البكاء على الذنب من خوف مقام ربه بعد الندم بالقلب الحاضر واللسان الذاكر به تعالى وهجران إخوان السوء وتدارك الفرطات مع العزم أن لا يعودوا بعدها في قبيح من القبائح إلى أن يعود اللبن في الضرع وملازمة صحبة أحباء الله والخوف من الوقوع فيه مرة أخرى ، قوله (عَسى رَبُّكُمْ) إطماع من الله لعباده وتعليم لهم التردد بين الخوف والرجاء من غير ترجيح ، أي توبوا على طمع (أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي الذنوب الماضية إن تبتم كذلك (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ) عليهالسلام (٧) فيما أراد لكم من الشفاعة ، وفيه تعريض لأهل الكفر والفسوق ، قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) مبتدأ ، خبره (نُورُهُمْ يَسْعى) أي يضيء إذا ركبوا على الصراط (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي أمامهم (وَبِأَيْمانِهِمْ) أي عن أيمانهم وعن (٨) شمائلهم (يَقُولُونَ) أي الصراط (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) حين
__________________
(١) مع الكفار ، ي : للكفار ، ح و.
(٢) لا ، + ح.
(٣) اليوم لأنه ، + ح.
(٤) مصدر ، ح و : مصدرا ، ي.
(٥) تنصحون ، وي : ينصحون ، ح ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٨٢.
(٦) «نصوحا» : ضم النون شعبة ، وفتحها غيره. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.
(٧) عليهالسلام ، وي : ـ ح.
(٨) عن ، وي : ـ ح.