(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢))
(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها) أي طولها (سَبْعُونَ ذِراعاً) بذراع الملائكة تلوي على جسده بحيث لا يقدر على حركة ، ووصفه بالعدد المذكور لإرادة الطول والكثرة ، قيل : نزلت في الأسود بن عبد الأسد (١) ، وهو نصب على التمييز ، قوله (فَاسْلُكُوهُ) [٣٢] أي أدخلوه ، عامل في قوله (سِلْسِلَةٍ) ، والفاء زائدة فيه ، وقدم الظرف للتخصيص.
(إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤))
قوله (إِنَّهُ كانَ) تعليل لذلك العذاب له ، أي لأنه كان (لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ [٣٣] وَلا يَحُضُّ) أي لا يحث نفسه ولا غيره (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [٣٤] في الدنيا ، قيل : فيه دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين ، أحدهما عطفه على الكفر الذي يفهم من قوله (لا يُؤْمِنُ) ، والثاني ذكر الحض ، فانه تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل (٢).
(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧))
(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) [٣٥] أي قريب يدفع عنه العذاب (وَلا طَعامٌ) يأكله ولا شراب يشربه (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [٣٦] وهو غسالة قروح أهل النار وعروق أجسادهم ومياهها الذائبية منها ، فعلين من غسلت ، فالنون زائدة (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) [٣٧] في الدين وهم الكافرون بالقرآن أنه من عند الله.
(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩))
(فَلا أُقْسِمُ) أي قسم (بِما تُبْصِرُونَ) [٣٨] من الأجسام والأشباح (وَما لا تُبْصِرُونَ) [٣٩] من الأرواح وغيرها مما لا يبصر ، يعني أقسم بكل موجود على الإحاطة ، لأنه إما مبصر أو غير مبصر.
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢))
(إِنَّهُ) أي القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [٤٠] على الله ، أي يقوله ويقرأه عليكم رسالة عن الله تعالى هذا الرسول الذي منكم وليس بقول شيطان كما تزعمون (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) [٤١] أي لا تؤمنون به ، (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) أي عراف كاذب (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [٤٢] أي لا تتعظون أصلا ، والقلة هنا بمعنى العدم ، قرئ بالياء والتاء فيهما (٣).
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤))
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٤٣] أي ليس القرآن كما تدعون ، بل هو تنزيل من رب المخلوق ، لا رب سواه ، أنزله (٤) على محمد عليهالسلام ليهديكم به إلى صراط مستقيم (وَلَوْ تَقَوَّلَ) أي تخرص (عَلَيْنا) وقال من ذات نفسه (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) [٤٤] بزيادة حرف أو نقصان.
(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦))
(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) [٤٥] أي لأخذنا بيمينه إذلالا له فقطعناها أو لأخذناه بالقوة والقهر ، وخص «اليمين» دون اليسار ، لأن أخذ القتال بالسيف بيمين المقتول أشد عليه لنظره إلى السيف من أخذه بيساره ، لأنه يوقع
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٩٩.
(٢) وهذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١٥٢.
(٣) «تؤمنون» ، «تذكرون» : قرأ المكي ويعقوب والشامي بخلف عن ابن ذكوان بياء الغيبة فيهما ، والباقون بتاء الخطاب وهو الوجه الثاني لابن ذكوان ولا يخفى تخفيف ذال «تذكرون» لحفص والأخوين وخلف وتشديدها للباقين. البدور الزاهرة ، ٣٢٧.
(٤) أنزله ، وي : أنزل ، ح.