القطعة ، أي فرقا مختلفة ومللا شتى كالقدرية والرافضية (١) والمجسمة إلى غير ذلك وهو بيان للقسمة المذكورة قبله (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ) أي علمنا يقينا أن لن نجعله عاجزا منا (فِي الْأَرْضِ) أي كائنين فيها (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) [١٢] من الأرض إلى السماء ، أي لا يفوت أحد من الله تعالى وإن هرب منه.
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣))
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) أي القرآن الذي يقرأه محمد عليهالسلام (آمَنَّا بِهِ) قوله (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ) كلام الله تعالى أو من كلام الجن ، أي فمن يؤمن بوحدانية ربه (فَلا يَخافُ) أي فهو غير خائف (بَخْساً) أي نقصا من جزاء عمله (وَلا رَهَقاً) [١٣] أي ولا ذهاب جزاء عمله أو ولا ظلما بأن يعذب بلا إثم (٢) ، فدخلت الفاء فيه لكونه في تقدير خبر مبتدأ محذوف قبله ، ولم يقل لا يخف بالجزم مع إغنائه عن ذلك ليدل على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة وإنه المختص بذلك دون غيره.
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤))
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) أي الموحدون (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي الجائرون العادلون عن التوحيد (فَمَنْ أَسْلَمَ) أي أخلص في التوحيد (فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا) أي قصدوا (رَشَداً) [١٤] أي هداية إلى دخول الجنة ، وهذا يدل على أن الجن يثابون بعملهم ويعاقبون.
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥))
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ) أي العادلون عن التوحيد وطريق الحق (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [١٥] أي وقودا لها تم هنا كلام الجن.
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦))
ثم أخبر الله تعالى عن حال الكفار بقوله (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) «أَنْ» مخففة من الثقيلة ، يتعلق ب «أوحي» ، أي وأوحي إلي أن الشأن لو ثبت الكفار من الجن والإنس (عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي طريقة الإسلام والتوحيد (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) [١٦] أي كثيرا ، يعني لو لزموا التوحيد والإيمان لأعطيناهم مالا كثيرا فعاشوا عيشا واسعا.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧))
قوله (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) متعلق بقوله (لَأَسْقَيْناهُمْ) ، أي لنبتليهم في الخصب والعيش والوسع ، فننظر (٣) كيف يشكرون (٤)(وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) أي عن القرآن والعمل به (يَسْلُكْهُ) بالنون والياء (٥) ، أي ندخله (عَذاباً صَعَداً) [١٧] ظرف ، أي فيه مصدر بمعنى الصاعد ، أي شاقا يتصعد المعذب ، أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه.
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩))
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) أي ومن جملة (٦) الموحى إلي أنها بنيت لعبادة الله فآمنوا به وادخلوها (فَلا تَدْعُوا) فيها (مَعَ اللهِ أَحَداً) [١٨] لأنها له خاصة ، قيل : «كانت اليهود والنصارى يدخلون كنائسهم ويشركون بالله ، فأمرهم الله تعالى أن يخلصوا العبادة فيها» (٧) ، ثم رجع الله عن الإخبار عن الكفار إلى الإخبار عن الجن الذين سمعوا
__________________
(١) والرافضية ، ح : والرافضة ، ي ، والفراضية ، و.
(٢) إثم ، وي : إثمه ، ح.
(٣) فننظر ، وي : فينظر ، ح.
(٤) يشكرون ، وي : تشكرون ، ح ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٦٧.
(٥) «يسلكه» : قرأ الكوفيون ويعقوب بالياء التحتية ، والباقون بالنون. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.
(٦) جملة ، ح : ـ وي.
(٧) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤١٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٦٧.