القرآن من النبي عليهالسلام بقوله المقروء بكسر «إن» وفتحها (١)(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) أي محمد عليهالسلام إلى الصلوة ببطن نخلة ، ولم يقل النبي ولا رسول الله ، لأنه لما وقع في كلامه الموحى إليه جاء على مقتضى التواضع والتذلل (يَدْعُوهُ) أي يعبده ويقرأ القرآن (كادُوا) أي الجن من جن نصيبين (يَكُونُونَ عَلَيْهِ) أي على محمد عليهالسلام (لِبَداً) [١٩] بضم اللام وكسرها (٢) جمع لبدة وهي الجماعة المتلبدة ، يعني يركب بعضهم بعضا ازدحاما حرصا على سماع القرآن أو تعجبا مما رأوا من العبادة بالقيام والركوع والسجود بالتلاوة ، وقيل : «معناه أن الإنس والجن تظاهروا على أن يبطلوا أمر النبي عليهالسلام المخالف لشركهم فأبى الله إلا أن يتمه بنصره على من عاداه فيه» (٣).
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢))
(قُلْ) وقرئ «قال» (٤) على معنى الخبرية ، أي قل للمتلبدين عليك يا محمد (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) إلها واحدا (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) [٢٠] في العبادة وغيرها (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) أي خذلانا (وَلا رَشَداً) [٢١] أي خيرا وهداية ، وإنما المالك لذلك الله تعالى (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي) أي لن يمنعني (مِنَ اللهِ) أي من عذابه (أَحَدٌ) إن عصيته (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ) أي من غيره (مُلْتَحَداً) [٢٢] أي ملتجأ.
(إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣))
قوله (إِلَّا بَلاغاً) استثناء من (لا أَمْلِكُ) الآية ، أي ليس بيدي شيء من الضر والنفع إلا تبليغ الخبر (مِنَ اللهِ) بأن أقول قال الله كذا (وَ) أن أبلغ (رِسالاتِهِ) التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان ، فقوله (وَرِسالاتِهِ) عطف على قوله (بَلاغاً) ، وإنما أورد من دون «عن» في تعدية التبليغ ، لأن من ليست بصلة للتبليغ ، وإنما هو كمن في قوله (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) بمعنى بلاغا كائنا من الله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في أمر التوحيد والقرآن (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [٢٣] لا يخرجون عنها ، جمع الخالد باعتبار المعنى.
(حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤))
قوله (حَتَّى إِذا رَأَوْا) نزل حين استضعفوا أنصار النبي عليهالسلام من المؤمنين واستقلوا عددهم (٥) ، أي أمهل المشركين الذين يتظاهرون عليك بالعداوة حتى إذا رأوا (ما يُوعَدُونَ) من يوم بدر وإظهار الله لك عليهم أو من يوم القيامة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) [٢٤] هم أم المؤمنين.
(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧))
قوله (قُلْ إِنْ أَدْرِي) نزل حين قالوا متى هذا العذاب الذي تعدنا يا محمد؟ (٦) فقال تعالى قل ما أدري (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ) أي للعذاب (رَبِّي أَمَداً) [٢٥] أي أجلا ينتهي إليه ، المعنى : أني أعلم نزول العذاب عليكم ولكن لا أعلم أحال عليكم أم متأخر هو (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ) أي لا يطلع (عَلى غَيْبِهِ) وهو
__________________
(١) «وأنه لما قام» : كسر الهمزة نافع وشعبة ، وفتحها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.
(٢) «لبدا» : قرأ هشام بخلف عنه بضم اللام ، وغيره بكسرها ، وهو الوجه الثاني لهشام. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.
(٣) ذكر الحسن وقتادة وابن زيد نحوه ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٦٦.
(٤) «قل» : قرأ عاصم وحمزة وأبو جعفر بضم القاف وإسكان اللام على أنه فعل أمر ، والباقون بفتح القاف واللام وألف بينهما على أنه فعل ماض. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ١٦٨.
(٦) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٤١٣ ـ ٤١٤.