كارهين وإنما جمعا (١) جمع العقلاء ، لأنه لما جعلهما في محل الخطاب والإجابة جمعهما جمع العقلاء الذكور فقال طائعين ولم يقل طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى ، لأنهما سموات وأرضون.
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢))
(فَقَضاهُنَّ) أي تمم خلق السماء بمعنى السموات (سَبْعَ سَماواتٍ) نصب على الحال أو بدل من «هن» ، أي قضى سبع سموات (فِي يَوْمَيْنِ) الخميس والجمعة ، وفرغ منها في آخر ساعة منه وخلقه تعالى السماء في أقل من يومين تبرز فائدة قوله في أربعة أيام سواء (وَأَوْحى) أي أمر بالوحي (فِي كُلِّ سَماءٍ) أي أهلها (أَمْرَها) أي بالذي أمرهم به من الأوامر كما أراد منهم أن تطيعوه أو ما دبره من الأمور مثل خلق الملائكة والنيرات (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) أي بالنجوم (وَحِفْظاً) أي وحفطناها حفظا عن استراق السمع بالشهب التي تصدر عن النجوم (ذلِكَ) أي الذي ذكره من صنعه (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) في ملكه (الْعَلِيمِ) [١٢] بخلقه.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣))
(فَإِنْ أَعْرَضُوا) أي أعرض كفار مكة عن الإيمان بما جئتم به (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ) أي خوفتكم (صاعِقَةً) أي عذابا (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [١٣] يعني أنه يصيبكم مثل ما أصابهم كما شاهدتم في سفركم إلى الشام من آثارهم.
(إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤))
قوله (إِذْ جاءَتْهُمُ) ظرف لمضاف (صاعِقَةً) بتقدير الحذف ، أي أنذرتكم وقوع صاعقة إذ جاءتهم (الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي من قبل عاد وثمود كهود وصالح جاءا داعيين إلى الإيمان بهما وبجميع الرسل (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي من بعد عاد وثمود مكان الرسل قد جاؤوهم ودعوهم إلى الإيمان أو جاؤوهم من كل جانب للإنذار حرصا على إيمانهم أو خوفوهم بعذابي الدنيا والآخرة بقولهم (٢)(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي أن لا تطيعوا غيره في التوحيد ، ف «أن» هي المفسرة أو مخففة ، أصله بأنه لا تعبدوا غيره فأجابهم قوم عاد وثمود (قالُوا) استهزاء برسلهم (لَوْ شاءَ رَبُّنا) هدايتنا (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) فآمنا بهم لا آدميا (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [١٤] لأنكم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا ، فالخطاب يكون بجميع الرسل تغليبا للحاضرين على الغائبين.
(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥))
(فَأَمَّا عادٌ) الفاء هي الفاء الفصيحة ، لأن الله يريد أن يبين هلاك قوم عاد وثمود فقال أما عاد ، أي قومه (فَاسْتَكْبَرُوا) أي تعظموا عن الإيمان (فِي الْأَرْضِ) بالاستيلاء على أهلها (بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي ظلما بقوتهم وعظم أجسادهم (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) أي نحن ندفع العذاب عنا لو نزل بنا حين خوفوا به فقال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ) وقواهم وأرسل عليهم العذاب (هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) وهي الصلابة في البنية ، وتستعمل القدرة في الله ونقيضها الضعف في العبد فكيف يكذبون (وَكانُوا بِآياتِنا) أي ببراهيننا التي آتاهم بها هود (يَجْحَدُونَ) [١٥] أنها من الله.
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦))
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي باردة محرقة ببردها كالنار بحرها (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي مشؤمات
__________________
(١) جمعا ، ح و : جمعها ، ي.
(٢) بقولهم ، وي : بقوله ، ح.