أبي بكر ، وقد كنت اداري منه بعض الحد وهو كان أحلم منّي وأوقر. فقال أبو بكر : على رسلك! فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قالها في بديهة وأفضل حتى سكت ، فقال : أما بعد ، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين أيهما شئتم وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم اكره ما قال غيرها ولان والله ان اقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم أحب الي من ان اتأمر على قوم فيهم ابو بكر.
فقال قائل من الأنصار ـ أي هو الحباب بمهملة مضمومة فموحدة ـ ابن المنذر : انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب اي انا يشتفى برأيي وتدبيري وأمنع بجلدتي ولحمتي كل نائبة تنوبهم ، دل على ذلك ما في كلامه من الاستعارة بالكناية المخيل لها بذكر ما يلائم المشبه به ، إذ موضوع الجذيل المحكّك ـ وهو بجيم فمعجمة ـ تصغير جذل عود ينصب في العطن لتحتك به الإبل الجرباء ، والتصغير للتعظيم ، والعذق بفتح العين النخلة بجملها ، فاستعارة لما ذكرناه ، والمرجب بالجيم ، وغلط من قال بالحاء ، من قولهم ، نخلة وجبة ، وترجيبها ضم أعذاقها الى سعفاتها وشدها بالخوض لئلا ينفضّها الريح او يصل إليها آكل. منا امير ومنكم امير ، يا معشر قريش.
وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت : ابسط يدك يا ابا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعه الأنصار. اما والله ما وجدنا فيما حضرنا امرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يحدثوا بعدنا بيعة فاما ان نبايعهم على ما لا نرضى واما ان نخالفهم فيكون فيه فساد ».
وقال : « ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة لأمور ، منها انهم رأوا ان الأمر تم بمن تيسّر حضوره حينئذ من اهل الحل والعقد ، ومنها انهم لما جاءوا وبايعوا اعتذروا كما مر عن الأولين من طرق