كون المراد منه في حديث الغدير هو « الأولوية في التصرف »؟
فيظهر جوابه من النظر فيما وقع يوم غدير خم ، ومجمله ـ كما تفيد روايات القوم ـ أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يبلّغ الناس بأن عليا عليهالسلام مولاهم ، فخشي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تقع الفتنة بين الناس إن بلغهم ذلك ، فشكى إلى ربه عزّ وجلّ وحدته وقلة أصحابه المخلصين وأن القوم سيكذبونه ، فأوحى الله تعالى إليه : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) فنزل صلىاللهعليهوآلهوسلم بغدير خم وليس بالموضع اللائق للنزول ، وكان يوما هاجرا جدّا يستظل الناس فيه بأرديتهم ودوابّهم ، ثم أمر صلىاللهعليهوآلهوسلم فقمّ ما كان هنالك من شوك وصنع له منبر من أقتاب الإبل ، وكان عدد الحاضرين في ذلك اليوم مائة وعشرين ألف نسمة ، وقد علم الجميع بأن هذا آخر اجتماع لهم من هذا القبيل ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوشك أن يدعى إلى ربه ، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، فلما اجتمعوا صعد المنبر وأخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال :
يا أيّها الناس! قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمّر نبي إلاّ مثل عمر الذي قبله (١) ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسئول وأنتم مسئولون ، فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا. قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق وناره حق ، وأن الموت حق ، وأن البعث بعد الموت حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا : بلى نشهد بذلك. قال : اللهم اشهد. فقال :
أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى. قال : إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه. ثم
__________________
(١) هذه الجملة وردت في بعض ألفاظ الحديث عند القوم ، وفيها كلام كما لا يخفى.