أصحابه وأخصّهم به.
ولمّا عزم الفرّاء على الاتصال بالمأمون كان يتردّد إلى الباب ، فبينما هو ذات يوم على الباب ، إذ جاء أبو بشر ثمامة بن الأشرس النمري المعتزلي ـ وكان خصيصا بالمأمون ـ قال : فرأيت أبهة أديب ، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا ، وفاتشته عن النحو فوجدته نسيج وحده ، وعن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم ، وبالنجوم ماهرا ، وبالطب خبيرا ، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا ، فقلت : من تكون وما أظنك إلا الفرّاء؟ قال : انا هو ، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون ، فأمر بإحضاره لوقته وكان سبب اتصاله به ...
وقال الخطيب في تاريخ بغداد : إنّ الفراء لما اتصل بالمأمون أمره أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربية ... وبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ في كتاب المعاني ، وقال الرّاوي : وأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم نضبطهم ، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا ، فلم يزل يمليه حتى أتمّه ...
وكان سبب إملائه كتاب المعاني : أن أحد أصحابه ـ وهو عمر بن بكير ـ كان يصحب الحسن بن سهل المقدّم ذكره ، فكتب إلى الفراء أنّ الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني فيها جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا ، وتجعل في ذلك كتابا يرجع اليه فعلت. فلمّا قرأ الكتاب قال لأصحابه : اجتمعوا حتى أملي عليكم في القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلمّا حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء ، فقال له : اقرأ. فقرأ فاتحة الكتاب ، ففسّرها حتى مرّ في القرآن كلّه على ذلك ، يقرأ الرجل والفرّاء يفسّره ، وكتابه هذا نحو ألف ورقة ، وهو كتاب لم يعمل مثله ، ولا يمكن لأحد أن يزيد عليه.
وكان المأمون قد وكّل الفرّاء يلقّن ابنيه النحو ، فلما كان يوما أراد الفرّاء أن ينهض إلى بعض حوائجه ، فابتدرا إلى نعل الفرّاء يقدّمانها له ، فتنازعا أيّهما