ألّف في فن غريب الحديث بعد اختلاط الألسن وتداخل اللغات ، حيث قال : « فلما أعضل الدّاء وعزّ الدّواء ألهم الله جماعة من أولى المعارف والنهى وذوي البصائر والحجى ، أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم ، وجانبا من رعايتهم ، فشرّعوا فيه للناس موارد ، ومهّدوا فيه لهم معاهد ، حراسة لهذا العلم الشريف من الضّياع ، وحفظا لهذا المهمّ العزيز من الاختلال ، فقيل : إنّ أوّل من جمع في هذا الفن شيئا وألّفه أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابا ... » (١).
٤ ـ وقال السيوطي نقلا عن أبي الطيّب اللّغوي بعد ذكر الخليل : « وكان في هذا العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب ، لم ير قبلهم ولا بعدهم مثلهم ، عنهم أخذ جلّ ما في أيدي الناس من هذا العلم بل كلّه ، وهم أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي ، وكلّهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر ، ورووا عنه القراءة. ثم أخذوا بعد أبي عمرو عن عيسى بن عمرو أبي الخطاب الأخفش ويونس بن حبيب ، وعن جماعة من ثقات الأعراب وعلمائهم وكان أبو زيد أحفظ الناس للّغة بعد أبي مالك وأوسعهم رواية وأكثرهم أخذا عن البادية ، وقال ابن منادر : كان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة ، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها ، وكان أبو زيد يجيب في ثلثيها ...
وأبو زيد من الأنصار ، وهو من رواة الحديث ، ثقة عندهم مأمون ، وكذلك حاله في اللغة ، وقد أخذ عنه اللغة أكابر الناس منهم سيبويه وحسبك ، قال أبو حاتم عن أبي زيد : كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان قال : فإذا سمعته يقول : وحدثني من أثق بعربيته فإنّما يريدني.
وكبر سنّ أبي زيد حتى اختلّ حفظه ولم يختل عقله ، ومن جلالة أبي زيد في اللغة ما حدثنا به جعفر بن محمد حدثنا محمد بن الحسن الأزدي عن أبي حاتم عن
__________________
(١) النهاية في غريب الحديث ـ خطبة الكتاب.