قيل : أولا هذا السؤال لا يمكن أن يورده أحد من الامامية ، لأن الأفضل عندهم أحق بالإمامة ، وهذا قول الجمهور من أهل السنة. وهنا مقامان : إمّا أن يقال : الأفضل أحق بالإمامة لكن يجوز تولية المفضول إمّا مطلقا وإما للحاجة. وإمّا أن يقال : ليس كل من كان أفضل عند الله يكون هو الأحق بالإمامة. وكلاهما منتف هاهنا.
أمّا الأول فلأن الحاجة إلى تولية المفضول في الاستحقاق كانت منتفية ، فإن القوم كانوا قادرين على تولية علي ، وليس هناك من ينازع أصلا ، ولا يحتاجون إلى رغبة ولا رهبة ، ولم يكن هناك لعثمان شوكة تخاف ، بل التمكن من تولية هذا كان كالتمكن من تولية هذا. فامتنع أن يقال : ما كان يمكن إلاّ تولية المفضول ، وإذا كانوا قادرين ـ وهم يتصرفون للأمة لا لأنفسهم ـ لم يجز لهم تفويت مصلحة الأمة من ولاية الفاضل ، فإن الوكيل والولي المتصرف لغيره ليس له أن يعدل عما هو أصلح لمن ائتمنه ، مع كونه قادرا على تحصيل المصلحة ، فكيف إذ كانت قدرته على الأمرين سواء. وأما الثاني فلأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل الخلق ، وكلّ من كان به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك ، والخلافة كانت خلافة نبوة لم تكن ملكا ، فمن خلف النبي وقام مقام النبي كان أشبه بالنبي ، ومن كان أشبه بالنبي كان أفضل ، فالذي يخلفه أشبه به من غيره ، والأشبه به أفضل ، فالذي يخلفه أفضل » (١).
وقال حسن بن محمد الطيبي بشرح حديث « لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره » قال : « هذا دليل على فضله على جميع الصحابة ، فإذا ثبت هذا ثبت خلافته ، لأن خلافة المفضول مع وجود الفاضل لا تصح » (٢).
وقال علي بن سلطان الهروي القاري : « وأولى ما يستدل به على أفضلية
__________________
(١) منهاج السنة ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(٢) الكاشف ـ شرح المشكاة ـ مخطوط.