رهبة ، فيلزم أن يكون هو الأحق ، ومن كان هو الأحق كان هو الأفضل ، فإن أفضل الخلق من كان أحق أن يقوم مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر.
وإنما قلنا يلزم أن يكون هو الأحق ، لأنه لو لم يكن ذلك للزم إمّا جهلهم وإما ظلمهم ، فإنه إذا لم يكن أحق وكان غيره أحق فإن لم يعلموا ذلك كانوا جهّالا ، وإن علموه وعدلوا عن الأحق إلى غيره كانوا ظلمة ، فتبيّن أن عثمان إن لم يكن أحق لزم إما جهلهم وإما ظلمهم ، وكلاهما منتف ، أمّا أولا فلأنهم أعلم بعثمان وعلي منّا ، وأعلم بما قاله الرسول فيهما منا ، وأعلم بما دلّ عليه القرآن في ذلك منّا ، ولأنهم خير القرون فيمتنع أن نكون نحن أعلم منهم بمثل هذه المسائل ، مع أنهم أحوج إلى علمها منّا ، فإنّهم لو جهلوا مسائل أصول دينهم وعلمنا نحن لكنا أفضل منهم ، وذلك ممتنع.
وكونهم علموا الحق وعدلوا عنه أعظم وأعظم ، فإن ذلك قدح في عدالتهم ، وذلك يمنع أن يكونوا خير القرون بالضرورة ، ولأن القرآن قد أثنى عليهم ثناء يقتضي غاية المدح ، فيمتنع إجماعهم وإصرارهم على الظلم الذي هو ضرر في حق الأمة كلها ، فإن هذا ليس ظلما للممنوع من الولاية بل هو ظلم لكن من منع نفعه عن ولاية الأحق بالولاية ، فإنه إذا كان راعيان أحدهما هو الذي يصلح للرعاية ويكون أحق بها ، كان منعه من رعايتها يعود بنقص الغنم حقها في نفعه ، ولأن القرآن والسنة دلّ على أن هذه الأمة خير الأمم وأن خيرها أوّلوها ، فإن كانوا مصرّين على ذلك لزم أن تكون هذه الأمة شر الأمم ، وأن لا يكون أوّلوها خيرها ، ولأنا نحن نعلم أن المتأخرين ليسوا مثل الصحابة ، فإن كان أولئك ظالمين مصرّين على الظلم ، فالأمة كلّها ظالمة ، فليست خير الأمم.
وقد قيل لابن مسعود لمّا ذهب إلى الكوفة : من وليتم؟ قال : وليّنا أعلانا ذا فوق ولم نأل. وذو الفوق هو السهم ، يعني أعلانا سهما في الإسلام.
فإن قيل : قد يكون عثمان الأحق بالامامة وعلي أفضل منه.