عند حدوث سببه خوف نسيانه. ثم ذكر منه آية الروح وقوله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) الآية. قال : فإنّ سورة الأسراء وهود مكيّتان وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلا بالمدينة ، ولهذا أشكل ذلك على بعضهم ولا إشكال ، لأنها نزلت مرة بعد مرة. قال : وكذلك ما ورد في سورة الإخلاص من أنها جواب المشركين بمكة ، وجواب لأهل الكتاب بالمدينة ، وكذلك قوله تعالى : ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية.
قال : والحكمة في هذا كلّه : إنّه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية ، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها ، فيوحى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم تلك الآية بعينها تذكيرا لهم بها ، وبأنها تتضمن هذه.
تنبيه : قد يجعل من ذلك الأحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر ، ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث أبي : إنّ ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه أن هوّن على أمتي ، فأرسل إليّ أن اقرأ على حرفين ، فرددت إليه أن هوّن على أمّتي ، فأرسل إليّ أن اقرأه على سبعة أحرف. فهذا الحديث يدل على أن القراآت لم تنزل من أول وهلة ، بل مرة بعد أخرى.
وفي جمال القراء للسخاوي ـ بعد أن حكى القول بنزول الفاتحة مرتين ـ : فإن قيل : فما فائدة نزولها مرة ثانية؟ قلت : يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد ، ونزلت في الثانية ببقية وجوهها ، نحو ملك ومالك ، والسراط والصراط ، ونحو ذلك انتهى.
تنبيه ـ أنكر بعضهم كون شيء من القرآن تكرر نزوله ، كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل ، وعلّله بأنه تحصيل ما هو حاصل ، لا فائدة فيه. وهو مردود بما تقدم من فوائده ، وبأنه يلزم منه أن يكون كلّما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى ، فإن جبرئيل عليهالسلام كان يعارضه القرآن كل سنة. وردّ بمنع الملازمة ، وبأنه لا معنى للانزال إلاّ أن جبرئيل كان ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقرآن لم يكن نزل به من قبل فيقرؤه إياه. وردّ منع اشتراط قوله لم يكن