في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه إطلاع كلّ منهم ... إلى أن كان في أوائل القرن السابع ، فجمع عز الدين ابن الأثير كتابا حافلا سماه أسد الغابة ... ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذهبي وأعلم لمن ذكر غلطا ولمن لا تصح صحبته. ولم يستوعب ذلك ولا قارب ، وقد وقع لي بالتتبع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما ، فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميّزت فيه الصحابة من غيرهم.
ومع ذلك ، فلم يحصل لنا من ذلك جميعا الوقوف على الشعر من أسامي الصحابة ، بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي ، قال : توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، كلهم قد روى عنه سماعا ورؤية. قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد أن ذكر ذلك : أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من في الاستيعاب ـ يعني فمن ذكر فيه باسم أو كنية أو هما ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبا ممن ذكر. قلت : وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه التجريد : لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا ولم ينقصوا. ثم رأيت بخطه أن جميع من في أسد الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا.
ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة تبوك : والناس كثير لا يحصيهم ديوان. وثبت عن الثوري ـ فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه ـ قال : من قدّم عليا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفا مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. فقال النووي : ذلك بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم باثني عشر عاما ، بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم. ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة. وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجة الوداع والله أعلم ».