للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات ، وهي آبية عنه ، كيف يمكن تقييد مثل : (ما خالف قول ربنا لم أقله ، أو زخرف ، أو باطل)؟ كما لا يخفى.
فتلخص ـ مما ذكرنا ـ أن اطلاقات التخيير محكمة ، وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها.
نعم قد استدلّ على تقييدها ، ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر :
منها : دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين.
وفيه أن دعوى الإجماع ـ مع مصير مثل الكليني إلى التخيير ، وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب والسفراء ، قال في ديباجة الكافي : ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير ـ مجازفة.
ومنها : أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية ، لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا. وفيه أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع ، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزية بالإضافة
______________________________________________________
من الكتاب ، فبناء على المرجّحية يؤخذ بها ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال : الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» (١) والنسخ في هذه الرواية بمعنى التخصيص والتقييد ، فإنّ النسخ بمعنى إبطال الحكم السابق رأسا لا يصحّ بالخبر الواحد كما هو الحال في نسخ عموم القرآن وتقييد إطلاقه ، وإلّا فالحكم الوارد في القرآن لا ينسخ باتفاق من المسلمين بالخبر الواحد ، فقوله عليهالسلام : «كما ينسخ القرآن» قرينة على هذا المعنى ، وفي هذه الصحيحة التعبير عن التخصيص والتقييد بالنسخ ، لعلّه للإشارة إلى إجزاء العمل السابق على طبق
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.