وأنت خبير بوضوح فساد برهانه ، ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا ، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا ، وعدم صدور المخالف المعارض له أصلا ، ولا يكاد يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة ، وإنما دار احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة ، ضرورة دوران معارضه حينئذ بين عدم صدوره وصدوره تقية ، وفي غير هذه الصورة كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة ، لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذ أيضا.
ومنه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي أيضا ، وإنما لم يكن التعبد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب السند والدلالة ، لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة ، ولعمري إن ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثله ، إلّا أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان ، عصمنا الله من زلل الأقدام والأقلام في كل ورطة ومقام.
ثمّ إنّ هذا كلّه إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حيث الجهة [١].
______________________________________________________
[١] وحاصل ما ذكره قدسسره أن ما تقدّم من تساوي المرجّح في ناحية الصدور مع المرجّح في ناحية جهة الصدور ـ في أنّه مع تحقّق أحدهما في أحد الخبرين وتحقّق الآخر في الخبر الآخر من ملاحظة حصول أحد المناطين وعدم حصوله في ناحية أحدهما ، فيرجّح مع حصوله ، ويتخيّر بينهما مع عدم حصوله ـ كان مبنيّا على أنّ مخالفة أحد الخبرين للعامّة مرجّح في مقام معارضة الخبرين كسائر المرجّحات ، وأمّا بناء على أن مخالفة مدلول أحد الخبرين للعامّة وموافقة الآخر لهم يوجب كون الخبر المخالف أظهر في الكشف عن الحكم في مقام الثبوت بالإضافة إلى الآخر ، حيث يحتمل التورية في الخبر الموافق دون الخبر المخالف ، فربّما يقال : إنّ هذه