لقد كانت سيرة الامام تحاكي سيرة جده الرسول الاعظم (ص) في جميع مكوناتها وذاتياتها ، ولا يكاد يقرأها أحد إلا ويذهب به الاعجاب كل مذهب ، ويمضي به الاكبار الى غير حد.
(٤)
وامتحن الامام الباقر (ع) وهو في غضارة الصبا امتحانا شاقا وعسيرا ، فقد شاهد رزايا كربلا وما جرى على العترة الطاهرة من صنوف القتل والتنكيل ، فقد جرت امامه عملية القتل الجماعي بوحشية قاسية لعترة النبي (ص) ولم يتأثم الجيش الاموي في قتل الاطفال الابرياء والنساء والشيوخ ، والتمثيل الآثم بجثمان الامام العظيم ، وغير ذلك من الكوارث التي تذوب من هولها القلوب ، وقد حمل أسيرا مع أسارى أهل البيت الى ابن مرجانة فبالغ في اذلالهم واحتقارهم ، واظهر الشماتة والحقد بقتله لعترة النبي (ص) وذريته ، وحملهم الى الطاغية الفاجر يزيد بن معاوية فقابلهم بمزيد من الاحتقار والتوهين.
وقد وعى الامام الباقر (ع) تلك الاحداث المؤلمة فملئت قلبه ألما عاصفا وطبعت في نفسه اللوعة والحزن ، وظلت ملازمة له طول حياته فلم يهنىء بعيش ولم تطب له الحياة ، قد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير.
ومن الكوارث التي دهمته وهو في غضون الصبا واقعة الحرة التي انتهك فيها جيش يزيد حرمة مدينة الرسول (ص) فاستباح الاعراض والاموال وازهاق النفوس ، ولم تبق حرمة لله إلا انتهكها ، ولم ينج من أهوال تلك الكارثة الأليمة الا الامام زين العابدين (ع) لوصية عهد بها يزيد الى جلاده المسرف الأثيم مسلم بن عقبة ، وتركت هذه الصور الحزينة في نفس الامام شعورا انبعاثيا طافحا بالاسى والحزن.