الأئمة أرباب ولا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا ، ومما قال له أبو الحسن عليهالسلام : « معاذ الله ، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله ، داخرون راغبون ». ثم سجد أبو الحسن عليهالسلام وهو يقول في سجوده : « راغماً لك يا خالقي ، داخراً خاضعاً ».
قال : فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، ثم قال : « يا فتح ، كدت أن تَهلك وتُهلك ، وما ضرّ عيسى إذا هلك من هلك ، فاذهب إذا شئت رحمك الله ». فخرج وهو مسرور بما كشف الله عنه من اللبس ، وحمد الله على ما قدر عليه.
وقال له أبو الحسن عليهالسلام وكان بين يديه حنطة مقلوّة : « اجلس يا فتح ، فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق ، لأنه جسّم الأجسام ، وهو لم يُجسّم ولم يُجزّأ بتناه ، ولم يتزايد ولم يتناقص ، مبرء من ذاته ، ما ركب في ذات من جسمه ، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، منشئ الأشياء ، مجسّم الأجسام ، وهو السميع العليم ، اللطيف الخبير ، الرؤوف الرحيم ، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب ، ولا الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، ولكنه فرق بينه وبين من جسمه ، وشيأ الأشياء ، إذ كان لا يشبهه شيء يرى ، ولا يشبه شيئاً » (١).
ولم يتردد الامام عليهالسلام عن أسماع الموعظة والارشاد حتى لألّد أعدائه وهو المتوكل العباسي ، وذلك حين استنشده الشعر فأنشده عليهالسلام :
باتوا على قُلل الأجبال تحرسهم |
|
غلب الرجال فما أغنتهم القللُ |
__________________
(١) كشف الغمة ٣ : ١٧٩.