ذكراً لله تعالى مع شدة نفس ، واجتماع قلب ، وما ظهر منه جزع ولا انكسار ولا خضوع في الشدائد التي مرت به ، وأنهم ما رأوه قطّ مازحاً ولا هازلاً.
ثم ان ابن طاهر أقامه بنيسابور ثلاثة أشهر ، يريد بذلك أن يعمّي خبره على الناس كيلا يغلب عليه لكثرة من بايعه بكور خراسان ، ثم أرسله إلى المعتصم سراً في جوف الليل ، حتى أخرجه من الري ولم يعلم به أحد ، ثم ورد على المعتصم في بغداد حاسراً كما أمر المعتصم ، فأُدخل عليه يوم ١٥ ربيع الثاني سنة ٢١٩ هـ ، وكان يوم النوروز ، والمعتصم جالس يشرب وبين يديه الجواري الفرغانيات يرقصن والغلمان الفراغنة يلعبون ، فأوقفه المعتصم والناس ينظرون إليه ، وكانت أكؤس الشراب تُدار في المجلس أمام ناظري محمد بن القاسم ، فلما رأى هذا الوضع بكى ثم قال : اللهم إنّك تعلم أني لم أزل حريصا على تغيير هذا وإنكاره. وأخذ يسبح ويستغفر الله ويحرك شفتيه يدعو عليهم.
ولم يزل محمد واقفاً حتى فرغ المعتصم من لهوه ولعبه ، فمروا بمحمد بن القاسم عليه ، فأمر بدفعه إلى مسرور الكبير ، فحبس في سرداب ضيق شبيه بالبئر طوله ثلاثة أذرع في ذراعين فكاد أن يتلف ويموت فيه ، وانتهى ذلك إلى المعتصم ، فأمر باخراجه منه ، وحبس في قبة في بستان موسى مع المعتصم في داره ، ووكل به مسرور عدة من غلمانه وثقاته ، فلم يزل محبوساً فيها ، فلما كان ليلة عيد الفطر في سنة ٢١٩ وقد مضى أغلب الموكلون به إلى منازلهم ، احتال محمد وهرب من السجن وغاب عن الأنظار ، فطلبوه فلم يقدروا عليه ، واختلفت الأخبار في مصيره بعد ذلك ، فقيل : إنّه رجع إلى الطالقان فمات بها. وقيل : بل إنّه اختفى ببغداد مدة ثم انحدر إلى واسط فمكث بها حتى مات. وقال أحمد بن الحارث الخزاز : انه مضى فاستتر مدة المعتصم والواثق ثم وجد في أيام