بذلك ، وموقف الناس في المدينة حين أحسوا بذلك ، وتعلق الناس بامامهم في بعض منازل الطريق.
ذكر المسعودي أن يحيى بن هرثمة قدم المدينة ، فأوصل الكتاب إلى بريحة ، وركبا جميعا إلى أبي الحسن عليهالسلام فأوصلا إليه كتاب المتوكل ، فاستأجلهما ثلاثا ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيى إلى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات اللّه عليه متوجها نحو العراق ، وأتبعه بريحة مشيعا ، فلما صار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك ، وعليَّ حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين أو إلى أحد من خاصّته وأبنائه ، لأجمرنّ عيون ضيعتك ، ولأفعلن وأصنعن.
فالتفت إليه أبو الحسن عليهالسلام فقال له : إن أقرب عَرضي إياك على اللّه البارحة ، وما كنت لأعرضنك عليه ثم لأشكونك إلى غيره من خلقه. فانكبّ عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له : قد عفوت عنك (١).
وهكذا تجد بريحة يهدد الامام عليهالسلام بتخريب حطام الدنيا ان هو شكاه الى المتوكل أو أحد خاصته وأبنائه ، والامام عليهالسلام يخبره بأنه شكاه الى الله فكيف يشكوه الى غيره؟! فهو يخاف من الشكوى الى المتوكل ولا يخاف من عرضه على الله ، فتراه ينكبّ على الامام عليهالسلام ويتضرّع إليه ويستعفيه رغم أنّه في موقع القوة وزمام السلطة ، والامام عليهالسلام يعفو عنه رغم وشايته به كذباً وافتراءاً ، وهذا هو خلق أهل البيت عليهمالسلام وسماحتهم لمن ساء إليهم.
ونقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير : أن المتوكل دعا يحيى بن هرثمة
__________________
(١) إثبات الوصية : ٢٣٣.