وقال : اذهب إلى المدينة ، وانظر حاله وأشخصه إلينا ، قال يحيى : فذهبت إلى المدينة ، فلما دخلتها ضجّ أهلها ضجيجا عظيما ماسمع الناس بمثله خوفا على علي ، وقامت الدنيا على ساق ، لأنّه كان محسنا إليهم ملازما للمسجد ، ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
قال يحيى : فجعلت اُسكّنهم وأحلف لهم أنّي لم اُؤمر فيه بمكروه ، وأنه لابأس عليه ، ثمّ فتّشت منزله ، فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان واليا على بغداد فقال لي : يا يحيى ، إن هذا الرجل قد ولده رسول اللّه صلىاللهعليهوآله والمتوكل من تعلم ، فإن حرّضته عليه قتله ، وكان رسول اللّه خصمك يوم القيامة ، فقلت له : واللّه ما وقعت منه إلاّ على كلّ أمر جميل ، ثمّ صرت به إلى سرّ من رأى ، فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله ، فقال : واللّه لئن سقط منه شعره لايطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق » (١).
وهذا الخبر يدل على الموقع الذي يشغله الإمام عليهالسلام في نفوس الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم على اختلاف توجهاتهم ، وذلك من خلال إحسانه إليهم ورعاية اُمورهم وتأثّرهم بخصائص شخصيته الباهرة ، ممّا جعله في موقع محبة الناس كلهم ، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفا على حياة إمامهم عليهالسلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته وممارساته ، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم أنه لم يؤمر فيه بمكروه ، وتأثّر ابن هرثمة بعظمة الإمام عليهالسلام أيضا فتولّى خدمته بنفسه وأحسن عشرته ، وهكذا امتدت محبة
__________________
(١) تذكرة الخواص : ٣٢٢ ، مروج الذهب ٤ : ٤٢٢ نحوه.