من الضامن والمضمون عنه ». وما ذكره أمر ممكن في حدّ نفسه ، ولكنّه مخالف لما عليه إجماع الطائفة ، على أنّ الضمان نقل ما في ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وبراءة ذمّة المضمون عنه بمحض وقوع الضمان الصحيح.
وأمّا القول بأنّ الضمان هاهنا عبارة عن التعهّد بردّ العين المضمونة أو قيمتها أو مثلها.
ففيه : أنّه خروج عمّا هو حقيقة الضمان عندنا والالتزام بمعنى آخر ، والمعنى العرفي للضمان هو الذي ذكرنا أي التعهّد بمال ثابت في ذمّة غيره ، بمعنى انتقاله إلى ذمّة الضامن وبرأه ذمّة المضمون عنه التي كانت مشغولة بذلك المال قبل الضمان.
وبناء على أن يكون هذا معنى الضمان عرفا فلا تشمل العمومات حتّى مثل « الزعيم غارم » لمثل هذا المعنى ، أي الالتزام بردّ الأعيان المضمونة أو قيمتها أو ردّ مثلها ، فلا دليل على شرعيّة مثل هذا الضمان بهذا المعنى.
وأمّا قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) فالظاهر منه هو وجوب الوفاء بمضمون كلّ عقد ، ومضمون عقد الضمان ـ بقوله : أنا ضامن لما على فلان ـ عبارة عن نقل ما في ذمّته إلى ذمّة نفسه ، وليس الالتزام بردّ ما هو مضمون عنده ، أو أداء قيمته ، أو ردّ مثله مضمون عقد الضمان كي يكون مشمولا لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ). بل لو كان هذا المعنى ضمانا صحيحا شرعيّا فيكون مفاده أنّه يجب على الضامن والمضمون عنه كلاهما ردّ العين ما دام باقية ، وأداء مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة. وهذا مرجعه إلى كون حقيقة الضمان ضمّ ذمّة إلى ذمّة. وهذا المعنى ممّا انعقد الإجماع على خلافه.
فالضمان بمعناه العرفي ـ أي التعهّد بمال ثابت في ذمة المضمون عنه ـ لا يصحّ في الأعيان المضمونة ، وإن قال بصحّته وجوازه أساطين الفقه ، كالشيخ في المبسوط (٢) ،
__________________
(١) المائدة (٥) : ١.
(٢) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٣٢٦.