نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فإنّ المقصود بتقديم ـ إياك ـ تعظيم الله سبحانه وتعالى والاهتمام بذكره مع إفادة اختصاص العبادة والاستعانة بالله تعالى ليصير الكلام حسنا متناسقا ، ولو قال نعبدك ونستعينك لم يكن الكلام متناسبا. وكذلك قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) فإن هذا مع افادته إن نظرها لا يكون إلا إلى الله تعالى يفيد في جودة انتظام الكلام. وكذلك قوله تعالى : ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ). وأما ما يراد بتقديمه زيادة المعنى فقط. فمنه تقديم المفعول في قوله تعالى : ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ ) وكذلك : ( بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) فإن المراد هاهنا بتقديم المفعول لتخصيصه بالعبادة ، ولو أخره ما أفاد ذلك ، فإنه لو قيل :
ضربت زيدا لم يشعر ذلك باختصاص زيد بالضرب ، ولا كذلك لو قيل زيدا ضربت.
ومنه تقديم الخبر على المبتدأ كما في قوله تعالى : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ ) ولو قال : وظنوا أن حصونهم من الله مانعتهم لما أشعر بزيادة وثوقهم بمنعها اياهم. وكذلك : ( أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ ) ولو قال : أأنت راغب عنها ما أفاد زيادة الإنكار على إبراهيم بالرغبة عنها. وكذلك : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ولم يقل فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة وكان يستغني عن الضمير لأن هذا لا يفيد اختصاص الذين كفروا بالشخوص ، ولا اختصاص الذين كفروا بالضمير.
وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في البحر « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته ». وكذا تقديم الظرف في الهيئات كقوله تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) .. وتقديم الجار والمجرور كقوله تعالى : ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) فإن هذا يفيد اختصاص ذلك بالله تعالى ..