وأما اذا كان الظرف في النفي فإن تقديمه يفيد تفضيل المنفي عنه كما في قوله تعالى : ( لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ ) أي ليس في خمر الجنة ما في خمر غيرها من الغول. وأما تأخيره فإنما يفيد النفي فقط كما في قوله تعالى : ( الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) وكذلك إذا قلت لا عيب في الدار كان معناه نفي العيب عن الدار ، وإذا قلت لا في الدار عيب كان معناه انها تفضل على غيرها بعدم العيب .. وأما الثاني فهو ما لا يلزم تقديمه زيادة في المعنى ، ومع ذلك يكون تقديمه أحسن ، وهذا إنما يكون كذلك لأمر يتعلق بالمتقدم والمتأخر ، أو لأمر خارج عنهما. والذي لأمر يتعلق بهما إما أن يكون ذلك بالنسبة إلى شيء خارج عنهما ، أو لا يكون كذلك ، فالأول كما إذا كان التقدم أدل على قدرة الخالق من التأخر كقوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ).
والثاني : إما أن يكون للمتقدم تأثير في وجود المتأخر أو لا يكون كذلك (١). والثاني كما إذا كان المتقدم أكثر وجوبا كما في قوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ) والاول : إما أن يكون المتقدم في الوجود المتأخر بالذات ، أو بالعرض. أما الذي بالذات فكما في قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً ) فإنه قدم الإنعام لأن صلاح حالها سبب لصلاح حال الناس. وأما الذي بالعرض فكما في قوله تعالى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فإنه قدم العبادة لأنها وسيلة إلى تحصيل الاستعانة. وأما الذي يكون كذلك لأمر خارج عن المتقدم والمتأخر ، فأما أن يكون ذلك لأجل كلام تقدم ، أو لا يكون
__________________
(١) بياض في الأصل.