كذلك. والذي لأجل الكلام المتقدم ، إما أن يكون لتعلق المذكور ، أوّلا به أو لتعلقه هو بالمذكور أوّلا ، والأول كما في قوله تعالى : ( وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ) فإنه قدم ـ الارض ـ لأن هذا بعد قوله تعالى : ( وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) وهذا الخطاب لأهل الأرض وعملهم يكون في الأرض. والثاني إما أن يكون ذلك لما يتعلق بمعنى الكلام الأول ، أو بلفظه. والمتعلق بمعناه كما في قوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) فإنه قدّم الشقي لأن المراد بهذا وما قبله التخويف. والمتعلق بلفظه كما في قوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ).
ثم قال : ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ) فإن تقديم حال الاشقياء هاهنا لاجل تقديمه أوّلا الشقي. والذي يكون كذلك لا لأجل المتقدم إما أن يكون لأجل حال في الكلام نفسه أو لا يكون كذلك. والثاني كما في قوله تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) فإن تقديم الإناث هنا إنما كان لأن المقصود بيان أن الخلق كله بمشيئته سبحانه وتعالى لا على وفق العباد. والأول كما إذا كان يتم بذلك السجع ، وذلك كما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) ولو قال : ثم صلوه الجحيم لأفاد المعنى ، ولكن كان يفوت السجع ، فلذلك كان الأحسن تقديم الجحيم. وقيل ان هذه الصورة تفيد أيضا الاختصاص كما في القسم الأوّل .. قال الامام فخر الدين وهو الذي يظهر لي وان منعه الآخرون ، فهذه أسباب عشرة ، وقد يجتمع في شيء واحد عدة منها فيكون تقديمه أولى ، وإذا تعارضت أسباب روعي أقواها ، وإن تساوت كان المتكلم بالخيار في تقديم أي الامرين معا.