وأما الثالث فهو الذي لا يلزم تقديمه زيادة في المعنى ويكون الأحسن تأخيره فإذا قدّم كان ذلك مفاضلة معنوية ، وذلك كتقديم الصفة على الموصوف ، والعلة على المعلول ، ونحو ذلك. وهذا لا يمكن وروده في القرآن لركته وسماجته مثاله قول الفرزدق :
وما مثله في الناس إلا مملّكا |
|
أبو أمه حيّ أبوه يقاربه |
معناه : وما مثله في الناس حيّ يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه.
وقال أيضا :
الى ملك ما أمه من محارب |
|
أبوه ولا كانت كليب تصاهره |
معناه إلى ملك أبوه ما أمه من محارب أي ما أم أبيه منهم. وقال أيضا :
وليست خراسان الذي كان خالد |
|
بها أسد إذ كان سيفا أميرها |
معناه ليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها. والغرض مدح خالد وذم أسد المتولي بعده.
وأما الرابع : فهو ما يتكافأ تقديمه وتأخيره ، وهذا كالحال فإنه يقدّم كقولك ـ جاء راكبا زيد ـ ويؤخر كقولك ـ جاء زيد راكبا ـ وهما سواء. وكذلك المستثنى كقولنا ـ ما قام إلا زيدا أحد. وما قام أحد إلا زيدا ـ ، وقد وقع في الكتاب العزيز آيات فيها تقديم وتأخير جارية على نمط ما تقدّم. من ذلك قوله تعالى : ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ). وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) على قول من قال إن الذكر هاهنا القرآن .. وقال بعض العلماء في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) أن في