ليكون السامع كأنه يعاينها ويشاهدها ..
فمن الاخبار بالفعل الماضي عن المضارع قوله تعالى : ( وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ ) فإنه إنما قال ـ ففزع ـ بلفظ الماضي بعد قوله ـ ينفخ ـ وهو مستقبل للاشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة واقع على أهل السموات والأرض ، لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به .. ومنه قوله تعالى : ( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ) فبرزوا بمعنى يبرزون يوم القيامة وإنما جيء به بلفظ الماضي لأن ما أخبر الله به لصدقه وصحته كأنه قد كان ووجد. ومثل ذلك قوله عز وجل : ( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) فإن ـ أتى ـ هاهنا بمعنى يأتي ، وإنما حسن فيه لفظ الماضي لصدق اثبات الأمر ، ودخوله في جملة ما لا بد من حدوثه ، ووقوعه فصار يأتي بمنزلة قد أتى ومضى ..
وكذلك قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) فإنه إنما قال ـ وحشرناهم ـ ماضيا بعد ـ نسير. وترى ـ وهما مستقبلان للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ، ليعاينوا تلك الأهوال كأنه قال : وحشرناهم قبل ذلك ..
السابع : الإخبار باسم المفعول عن الفعل المضارع ، وإنما فعل ذلك لتضمنه معنى الفعل الماضي ، وقد سبق الكلام عليه .. فمن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) فإنه إنما آثر اسم المفعول هاهنا على الفعل المضارع لما فيه من الدلالة على ثبات معنى الجمع ، وأنه لا بد من أن يكون ميعاد مضروبا لجمع الناس ، وأنه الموصوف بهذه الصفة ، وإن شئت فوازن بينه وبين قوله تعالى : ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ ) فإنك تعثر على صحة ما قلت ..