الذي يقع فيها إثارة الريح للسحاب واستحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة ، وهكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب أو تهم المخاطب أو غير ذلك .. ومنه قول تأبط شرا :
لقيت الغول تهوي نحو وجهي |
|
بقفر كالصحيفة صحصحان |
فأضربها بلا دهش فخرّت |
|
صريعا لليدين وللجران |
لانه قصد أن يصور صورة الحال التي تشجع فيها على ضرب الغول ، كأنه يبصرهم ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب من جرأته على ذلك الغول وثباته عند تلك الشدة ، ولو قال فضربتها لزالت تلك الفائدة التي ذكرناها ونبهنا عليها .. ومن ذلك قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ألا ترى كيف عدل عن لفظ الماضي هاهنا إلى المضارع فقال ـ فتصبح الارض مخضرة ـ وذلك لافادة بقاء المطر زمانا بعد زمان كما قال ـ أنعم عليّ فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكرا ـ ولو قال : فرحت وغدوت شاكرا له ، لم يقع ذلك الموقع فافهم ما أشرنا اليه ..
السادس : الاخبار بالفعل الماضي عن المضارع ، وهو عكس ما تقدم ذكره ، وفائدته أن الفعل الماضي اذا أخبر به عن الفعل المضارع الذي لم يوجد كان أبلغ وآكد وأعظم موقعا وأفخم شأنا ، لان الفعل الماضي يعطي من المعنى أنه قد كان ووجد وحدث وصار من الأمور والمقطوع بكونها وحدوثها.
والفرق بينه وبين الإخبار بالفعل المضارع عن الماضي هو أن الفعل الماضي يخبر به عن المضارع إذا كان الفعل المضارع من الأشياء الهائلة التي لم توجد والأمور المتعاظمة التي تحدث فيجعل عند ذلك مما قد كان ووجد ووقع الفراغ من كونه وحدوثه. وأما الفعل المضارع إذا أخبر به عن الفعل الماضي فإن الغرض بذلك شيئان هيئة الفعل واستحضار صورته