ثم وحد فخاطب موسى وهارون في ذلك عليهماالسلام بالتبوء والاختيار في ذلك مما يفوّض إليّ ، ثم ساق الخطاب لهما ولقومهما باتخاذ المساجد وإقامة الصلاة ، لأن ذلك واجب على الجمهور ، ثم خص موسى صلّى الله عليه وسلّم بالبشارة التي هي الغرض تعظيما له وتفخيما لأمره ، لأنه الرسول على الحقيقة .. ومن هذا النحو قوله تعالى : حكاية عن حبيب النجار : ( وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) هذا عدول عن خطاب الواحد إلى خطاب الجماعة ، واتمام الكلام عن خطاب نفسه إلى خطابهم ، لأنه أفرد الكلام لهم في معرض المناصحة لنفسه ، وهو يريد مناصحتهم لتلطفه بهم ومداراتهم ، فإن ذلك أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلاّ ما يريد لنفسه ، وقد وضع قوله ـ وما لي لا أعبد الذي فطرني ـ موضع قوله وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ألا ترى إلى قوله : ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ولو لا أنه قصد ذلك لقال الذي فطرني وإليه أرجع ، وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال : ( إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ) يريد فاسمعوا قولي وأطيعون فقد نبّهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه لأن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبدؤكم واليه ترجعون ..
الخامس : الاخبار عن الفعل الماضي بالمضارع ، وهو قسم من الالتفات لطيف المأخذ دقيق المغزى.
اعلم : ان الفعل المضارع إذا أتى به في حالة الاخبار عن وجود كان ذلك أبلغ من الاخبار بالفعل الماضي ، وذلك لأن الفعل المضارع يوضح الحال التي يقع فيها ويستحضر تلك الصورة حتى كأن السامع يسمعها ويشاهدها ، وليس كذلك الفعل الماضي. فمما جاء منه قوله تعالى : ( وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ ) فإنه انما قيل ـ تثير ـ مضارعا وما قبله وما بعده ماض لذلك المعنى الذي أشرنا إليه وهو حكاية الحال