عنه. ولما كان كذلك كان بمنزلة لحم الأخ في كراهته ، ومن المعلوم أن لحم الانسان مستكره عند انسان آخر مثله ، الاّ أنه لا يكون مثل كراهة لحم أخيه ، وهذا القول مبالغة في الاستكراه لا أمد فوقها.
وأما قوله ـ ميتا ـ فلأجل ان المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحس بها .. وأما جعله ما هو في الغاية من الكراهة. موصولا بالمحبة فلما جبلت عليه النفوس من الميل إلى الغيبة والشهوة لها مع العلم بأنها من أذم الحلال ، ومكروه الافعال عند الله عز وجل والناس.
ومن هذا القسم قوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) فمثل البخل بأحسن تمثيل لأن البخيل لا يمد يده بالعطية كالمغلول الذي لا يستطيع أن يمد يده وإنما قال ـ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ـ ولم يقل ولا تجعل يدك مغلولة من غير ذكر العنق لأنه قد قال تعالى ـ ولا تبسطها كل البسط ـ فناب ذكر العنق عن قوله كل الغل ، لأن غل اليدين إلى العنق هي اقصى الغايات التي جرت العادة بغل اليد إليها .. ومن امثال العرب ـ اياك وعقيلة الملح ـ وذلك تمثيل للمرأة الحسناء في المنبت السوء لأن عقيلة الملح هي الذرة ..
ومن التمثيل قول ابن الدّمينة :
أبيني أفي يمني يديك تركتني |
|
فأفرح أم صيرتني في شمالكي |
أي ابيني أمنزلتي كريمة عندك أم هينة عليك فذكر اليمين وجعلها مثالا لإكرام المنزلة ، وذكر الشمال وجعلها مثالا لهوان المنزلة ، لأن اليمين اشرف مكانة من الشمال وأكرم محلا ، وفي القرآن العظيم ما يدل على ذلك وهو قوله تعالى : ( وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) إلى قوله : ( وَماءٍ مَسْكُوبٍ ) فلما جاء إلى ذكر الشمال قال تعالى : ( وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ