مثلي لا يفعل هذا ـ أي أنا لا أفعله فنفي ذلك عن مثله وهو يريد نفيه عن نفسه قصدا للمبالغة فيسلك به طرق الكناية لأنه إذا نفاه عن مثله ومشابهه فقد نفاه عنه لا محالة. كذلك قولهم أيضا ـ مثلك إذا سئل أعطى ـ أي أنت كذلك. وهو كثير في الشعر القديم والمولد وفي الكلام المنثور .. وسبب توكيد هذه المواضع بمثل انه يراد أن يجعل نفسه من جماعة هذه أوصافهم تثبيتا للامر وتوكيدا له ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه ولم ترثب فيه قدمه. مثل ذلك قولهم لانسان ـ أنت من القوم الكرام ـ أي لك في هذا الفعل سابقة وأنت حقيق به ولست دخيلا فيه .. ومن هذا الباب في القرآن كثير كقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) وهذا كقولك ـ مثلي لا يفعل كذا ـ فينفون البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذلك قصدا للمبالغة لأنهم إذا نفوه عن من يسد مسدّه وهو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه. ونظير ذلك قولك للعربي ـ العرب لا تخفر الذمم ـ وهذا أبلغ من قولك أنت لا تخفر الذمم ، وليس فرق بين قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) وبين قوله ليس كالله شيء إلا من الجهة التي نبهنا عليها فاعرفها ..
الثالث : من الأرداف ما يأتي في جواب الشرط ، وذلك من ألطف الكنايات واحسنها. فمن ذلك قوله تعالى : ( وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ ) كناية عن بطلان قولهم وكذبهم فيما ادعوه وذلك رادف له. ونظيره قولك :كنت تنكر حضور زيد فها هو أي فأنت كاذب ، وهذا من دقائق الكناية ..
الرابع : من الأرداف الاستثناء من غير موجب وذلك من غرائب الكناية كقوله تعالى : ( لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ ) الآية. ـوالضريع ـ نبت ذو شوك تسميه قريش الشبرق في حال خضرته وطراوته فإذا يبس سمته الضريع ، والإبل ترعاه طريا ولا تقربه يابسا. والمعنى ليس