الجماع ملامسة بالابدان وزيادة أمر آخر أطلق عليه اسم المس مجازا وضد الكناية التصريح. وأما التعريض فهو أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره وأصله التلويح عن عرض الشيء وهو جانبه وبيت امرئ القيس ضربه مثالا للكناية ، وهو عين التعريض فان غرضه من ذلك أن يذكر الجماع غير أنه لما استقبح ذكره لم يذكره ، بل ذكر كلاما آخر ودل به عليه ، لأن المصير إلى الحسنى ورقة الكلام يفهم منها ما أراده امرؤ القيس من المعنى وذلك مما لا خفاء به ، وحيث تبين الفرق نشرع في أقسام كل واحد من الكناية والتعريض فنقول .. إن الكناية هي على قسمين. أحدهما ما يحسن استعماله وهو الذي نحن بصدد ذكره هاهنا والآخر ما لا يحسن استعماله وقد تقدم بيانهما. وأما التعريض فقد ميزه الله تعالى في خطبة النساء فقال جل من قائل : ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ ) قال المفسرون التعريض بالخطبة أن يقول لها وهي في عدّة الوفاة انك لجميلة وأنك لحسنة ، وإني إليك لشيق ، وإن قدر الله شيئا فهو يكون ، وما أشبه ذلك. ومما هو من التعريض قوله حكاية عن عبدة الأصنام حين كسرها إبراهيم عليهالسلام : ( أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) يعني أن كبير الاصنام غضب ان تعبد هذه الاصنام الصغار معه فكسرها ، فغرض إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه من هذا الكلام إقامة الحجة عليهم ، لأنه قال ـ فسألوهم إن كانوا ينطقون ـ هذا على سبيل الاستهزاء بهم. وهذا من رموز الكلام والقصد فيه أن إبراهيم عليهالسلام لم يكن القصد الصادر عنه إلى الصنم إنما قصد تقريره لنفسه واثباته لها على أنه أسلوب من الفصاحة آخر يقتضي أن يبلغ فيه غرضه من إلزام الحجة عليهم وتبكيتهم والاستهزاء بهم ، ومن بديع التعريض قوله تعالى : ( فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا ) إلى قوله : ( بَلْ نَظُنُّكُمْ