كاذِبِينَ ) فقوله ـ ما نراك إلا بشرا مثلنا ـ تعريض أنهم أحق بالنبوة منه وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم ، فقالوا : هب أنك واحد من الملائكة وموازن لهم في المنزلة فما جعلك أحق منهم بها ، ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عنهم ـ وما نرى لكم علينا من فضل ـ. ومن مشكلات التعريض حديث عمر بن عبد العزيز رضياللهعنه قال : حكت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو محتضن أحدا بني ابنته وهو يقول : « والله إنّكم ، لتجبنون وتبخلون وتجهلون وإنّكم لمن ريحان الله وإنّ آخر وطئة وطئها الله بوج ».
اعلم أن ـ وج ـ واد بالطائف ، والمراد غزاة حنين ، واد قبل وج ، لأنها آخر غزاة وقع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين ، وأما غزوتا الطائف وتبوك اللتان كانتا بعد حنين ، فلم يكن فيهما وطأة اي قتال ، وإنما كانتا مجرد مخروج إلى الغزاة حسب من غير ملاقاة العدو أعني ، ولا قتال لهم ، ووجه عطف هذا الكلام وهو قوله ـ وان آخر وطأة وطئها الله بوج ـ على ما قبله من الحديث وهو التأسف على مفارقة أولاده لقرب وفاته لأن غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان ، ووفاته كانت في ربيع الاول من سنة احدى عشرة وبينهما سنتان ونصف ، وكأنه قال ـ وإنكم من ريحان الله ـ أي من رزق الله ، وأنا مفارقكم عن قريب إلا انه صانع عن قوله وأنا مفارقكم عن قريب بقوله ـ وان آخر وطأة وطئها الله بوج ـ فكان ذلك تعريضا لما أراده وقصده من قرب وفاته ومفارقته إياهم يعني أولاده ، وهذا من أغرب التعريضات وأعجبها. ومن هذا الباب قول الشميدر الحارثي :
بني عمنا لا تذكروا الشعر بعد ما |
|
دفنتم بصحراء الغمير القوافيا |
فإن ليس قصده الشعر ، بل قصده ما جرى بينهم بهذا الموضع من