فأوردها بيضا ظماء صدورها |
|
وأصدرها بالرّيّ ألوانها حمر |
قال ابن الأثير : أجمع جماعة علماء من أرباب هذه الصناعة على أن المطابقة في الكلام هي الجمع بين الشيء وضده ، كالبياض والسواد والليل والنهار ، وخالفهم في ذلك أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب فقال : المطابقة إيراد لفظتين متساويتين في البناء والصفة ، مختلفتين في المعنى ، وهذا الذي ذكره قدامة هو التجنيس بعينه غير أن الأسماء لا مشاحة فيها إلا إذا كانت مشتقة ، ولننظر نحن فيما حمله على ذلك. والذي حمل قدامة على ذلك ما اقتضاه اشتقاق لفظ الطباق وسنبينه.
وأما الثاني : فاشتقاق الطباق وأصله في اللغة من طابق البعير في سيره ، اذا وضع رجله موضع يده وهذا يقوي قول قدامة ، لأن اليد غير الرجل لا ضدها ، والموضع الذي يقعان فيه واحد ، فكذلك المعنيان يكونان مختلفين واللفظ الذي يجمعهما واحدا .. وأما الجماعة فيحتمل أن يكونوا رأوا أن الرّجل مخالفة لليد فراعوا المخالفة والضد مخالف للضد لا اجتماع لهما ، وهذا عين التضاد.
ويجوز أن يكون الجماعة سموا هذا الضرب من الكلام مطابقة تسمية مرتجلة لا اشتقاق لها ولا مناسبة ، وهذا هو الظاهر من هذا الأمر إلا أن يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة لم يطلع عليها غيرهم والصحيح هو الأول ، لأن بعضهم سماه التضاد وهذا دليل على مراعاة الاشتقاق واما الثالث : فقد قسم أرباب علم البيان الطباق إلى قسمين :لفظيّ ومعنويّ. أما اللفظي فهو على قسمين : الأول ما قدمناه. والثاني أن يجمع بين شيئين موافقين وبين ضديهما ، ثم إذا اشترطهما بشرط وجب أن يشترط ضديهما بضد ذلك الشرط كقوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى