ذلك نظرا من حيث ترتيب التفسير ، لا من حيث المقابلة ، لأن ترتيب التفسير يقتضي أن كان قال ـ بلا حزن ولا مسرّة بكاء يراوح بينه وضحك ـ وهذا لا كبير عيب فيه. وإنما الأولى والأليق ما أشرنا إليه فاعرفه .. وقال آخر :
فلا الجود يفنى المال والجدّ مقبل |
|
ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر |
ـ ومثله قوله البحتري :
وأمة كأن قبح الجور يسخطها |
|
دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها |
فقابل القبح بالحسن ، والجور بالعدل ، والسخط بالرضا وذلك بديع في بابه فاعرفه. وأما القسم الثاني وهو مقابلة الشيء بغيره فهو ضربان. أحدهما ما كان بين المقابل والمقابل له مناسبة وتقارب كقول بعضهم :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة |
|
ومن إساءة أهل السوء إحسانا |
والظلم ليس ضد المغفرة ، وانما هو ضد العدل ، الاّ أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل مناسبة له حسنت المقابلة بينها وبين الظلم ، وأمثال هذا كثير. وأما القسم الثاني أن يقابل الشيء بالشيء وبينهما بعد ولا يناسبه بحال من الأحوال. أقول وذلك لا يحسن استعماله في التأليف .. ومما جاء منه قول بعضهم :
أم هل ظعائن بالعلياء رافعة |
|
وان تكامل منها الدّل والشنب |
فإن ذلك غير مناسب لأنه إنما كان يحسن أن يكون مع الدل الغنج ، أو ما قاربه ، ومع الشنب اللعس ، أو ما يجري مجراه من أوصاف الثغر والفم. وأما الثالث فهو أن يقابل الشيء بمثله وهو ضربان. أحدهما التقابل في اللفظ والمعنى. والآخر التقابل في المعنى دون اللفظ ، وأما التقابل في اللفظ والمعنى فكقوله تعالى : ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً ). وقوله تعالى : ( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ). وأما