التقابل في المعنى دون اللفظ فهي مقابلة الجملة لمثالها مستقبلة كانت أو ماضية ، فإن كانت ماضية قوبلت بالماضية ، وان كانت مستقبلة قوبلت بالمستقبلة ، وربما قوبل الماضي بالمستقبل ، والمستقبل بالماضي ، وذلك إذا كان أحدهما في معنى الآخر. فمن ذلك قوله تعالى : ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) فإن هذا تقابل من جهة المعنى ، ولو كان التقابل من جهة اللفظ لقال :وإن اهتديت فإنما اهتديت لها .. وبيان مقابل هذا الكلام من جهة المعنى أن النفس كلما هو عليها فهو بها أعني أن كل ما هو وبال عليها وضار لها ، فهو بسببها ، ومنها لأنها أمّارة بالسوء ، وكل ما هو لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه إياها ، وهذا حكم عام لكل مكلف وانما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسند إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع علو محله وسداد طريقته كان غيره أولى به.
ومن هذا الضرب قوله تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فإنه لم يراع التقابل في قوله ـ ليسكنوا فيه فيه. ومبصرا ـ لأن القياس يقتضي أن يكون والنهار ليبصروا فيه ، وإنما هو مراعى من جهة المعنى لا من جهة اللفظ ، وهكذا النظم المطبوع الغير المتكلف ، لأن معنى قوله مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في الحاجات.
ومن مقابلة الشيء بمثله أنه إذا ذكر المؤلف ألفاظا تقتضي جوابا فالمرضي عندنا أن يأتي بتلك الألفاظ في الجواب من غير عدول عنها إلى غيرها ، مما هو في معناها. فمن ذلك قوله تعالى : ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ومما عيب في هذا الباب قول بعضهم من اقترف ذنبا عامدا أو اكتسب جرما قاصدا لزمه ما جناه وحاق به ما توخاه. والأليق إن كان قال لزمه ما اقترف وحاق به ما اكتسب ليكون أحسن طباقا ، وإن كان ذلك جائزا في الكلام من حيث أن معناه صوابا لكنه عدول عن الأليق ،