الخطب وأنماط الأراجيز ، وضروب السجع .. وقد اعترض على هذا القول من وجوه. الأول : لو كان الابتداء بالأسلوب معجزا لكان الابتداء باسلوب الشعر معجزا. الثاني : أن الابتداء بأسلوب لا يمنع الغير من الإتيان بمثله. الثالث : أن الذي تعاطاه مسيلمة من الحماقة في معارضة : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ـ والطاحنات طحنا ـ هو في أسلوب في غاية الفظاعة والركاكة ، وكان مبتدئا به ولم يعد ذلك معجزا ، بل عدّ سخفا وحمقا. الرابع : لما فاضلنا بين قوله تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) وبين قولهم ـ القتل أنفى للقتل ـ لم تكن المفاضلة بسبب الوزن ، وإنما تعلق الاعجاز بما ظهرت به الفضيلة. الخامس : إنّ وصف العرب القرآن بأنّ له لحلاوة ، وأنّ عليه لطلاوة لا يليق بالأسلوب .. وقال قوم : اعجازه بمجموع هذه الوجوه الثلاثة ، وهذا الكلام يحتاج إلى نظر لأن مجموع هذه الأقسام الثلاثة إنما تكون معجزة في حق العرب خاصة ، لأن الفصاحة والبلاغة فيهم جبلة وخلقة ، وهم فرسانها أصحاب قصبات السبق فيها إلى الأمد لا يباريهم فيها أحد ، ولا يجاريهم في مضمارها جواد ، ولا يماريهم في التفرد بها ممار ذو عناد قد ألقت الأمم إليهم فيها مقاليد الإذعان ، وخفضوا لهم جناح الذل بما حصل لهم عندهم من العرفان فثبت لديهم أن أحدا لا يجاريهم في هذا المضمار ، ولا يدانيهم في اظهار ولا إضمار فجاءهم ، هذا الكتاب العزيز بقاصمة الظهر وفادحة القهر ، ودعوا إلى المعارضة فلم يقدموا وندبوا الى المساجلة والمجاراة فأمسكوا وأحجموا وقرّعوا بقوارع التوبيخ والتقريع فركبوا خيول العجز واستلأموا فقامت الحجة عليهم بذلك وصحت المعجزة لديهم لحصول التحدي والعجز عن الاتيان بمثله ..
وأما الأعاجم ومن يجري مجراهم فلا تقوم عليهم بذلك حجة ، ولا تصح فيهم بذلك معجزة لأنهم معترفون أن الفصاحة ليست من شأنهم